بازگشت

ماذا لو لم يستجب الامام الحسين لأهل الكوفة


اما اذا ذهب الي مكان ناء بعيد كشعاب اليمن أو الهند أو غيرهما، فلن يكون ذلك سوي هزيمة اراد بها حفظ حياته التي لن تمتد علي الاغلب الا لبضع سنوات، فهن في منتصف العقد السادس من عمره الشريف، و سينتهي بموته كل شي ء بعد ان يقضي تلك السنوات القليلة معزولا و بعيدا عن الامة، و ستضيع قضيته و ينتهي كل شي ء، و كأنه لم يحدث شي ء.

ان الامة ستسجل في تاريخها: ان الحسين قد اكتفي برفض بيعة يزيد و حسب، و قد تهيأت له الظروف الموضوعية للثورة بعد ان دعاه اهل العراق، و لم يذهب اليهم، و لو كان قد استجاب لدعوتهم لكانوا قد ساروا خلفه و استجابوا له باخلاص و واجه معهم الدولة الاموية، و ربما أطاح بها، و انه قد اخطأ بقعوده في مكة، أو بهربه الي اليمن، لو كان ذلك قد تم فعلا.

و سيتزايد غضب الامة و حنقها عليه، كلما تمادي يزيد و من سيأتي بعده في جرائمهم و ممارساتهم البعيدة عن الاسلام، و ستجعل من قعوده سببا لهذا التمادي، و ستحمله مسؤولية هذه الجرائم، و تجعله السبب المباشر لها، كما تباكي القاعدون انفسهم من موقف الامام الحسن عليه السلام من معاوية من قبل، و اخذوا عليه صلحه معه، مع انه كان الموقف الوحيد الصحيح، الذي كان عليه ان يقفه بعد ان تخلي الجميع عنه بفعل السياسة الاموية و مكر معاوية.

و لو ان الحسين عليه السلام وقف موقفا مماثلا من حكومة يزيد، (مع ملاحظة الفرق بين معاوية و يزيد و رصيد كل منهما لدي فئات عديدة من الامة) لراح اولئك القاعدون المتباكون انفسهم يحملونه وحده مسؤولية تقاعس كل فرد من ابناء هذه الامة علي مر الزمن، و يجدون موقفه حجة (شرعية) و امرا مبررا للاستسلام و الخنوع، مادام شخص بمركز الامام الحسين عليه السلام و اهميته قد استسلم و خضع و بايع، و لم يقم باي فعل ايجابي لتغيير الاوضاع. و سيقول انصار الدولة الاموية لكل خارج عليها و ثائر في وجهها فيما بعد: ان الحسين عليه السلام نفسه قد قعد و استجاب و استسلم و لم


يحارب، فلماذا تحاربون انتم، و لماذا تملأون الدنيا صراخا و ضجيجا؟ و هل انتم افضل من الحسين و اكثر ادراكا لمسؤولياتكم منه؟

و سيترتب علي ذلك ان تقعد الامة كلها عن مقاومة الانحراف و مكافحته، بعد ان قعد امامها عن ذلك، و ستفقد كل ما سيتبقي من مقاومتها امام المد الاموي الجارف الذي يحاول التصدي للاسلام و ايقاف مسيرته بكل السبل، ملقية مسؤولية ذلك علي اولئك الذين عاصروا الانحراف و عاشوه و لم يتصدوا له في حينه، و سيتصدون بكلامهم للامام الحسين عليه السلام، لا بل سيشيرون اليه اليه صراحة، و سيقولون انه لو كان قد فعل ذلك لربما نجح، و حتي اذا لم ينجح فانهم سيدعون حرصهم علي اتمام مهمته.

اما كنا سنقف الي جانب اولئك الذين خذلوه، أو بيتوا خذلانه منذ البداية، و نقول انهم كانوا صادقين و انهم أدوا ما عليهم، و لم يكن ينقصهم سوي القائد الذي ينظم صفوفهم و يرفع لواءهم؟

و لسنا نعتقد ان الحسين عليه السلام يبالي بما سوف نقوله أو يقوله الناس في جميع الازمان، اذا ما كان الامر متعلقا به شخصيا، و ان ضرر ذلك سيلحق به وحده، غير ان الضرر اذا ما لحق بالامة كلها جراء ذلك، فان موقفه سيختلف في هذه الحال، اذ انه لم يضع في حسبانه سوي امر و احذ هو مسؤوليته تجاه الله جل و علا اذا ما قعد أو تواني في الخروج في الوقت المناسب الذي تحتمه عليه الظروف.

و لا شك انه عليه السلام كان من اكثر الناس شعورا بمسؤوليته الجسيمة التي تمخضت عنها ثورته ضد الانحراف، و اكثر الناس فهما للواقع و تقديرا للعواقب، فهو قد امتلك تلك العقلية الرسالية التي تقيم الربح و الخسارة و الفوز و الفشل بمقاييسها الربانية، التي لا تري امامها الا شيئا واحدا و هو الطاعة المطلقة لله جل وعلا، و السير في طريقه و العمل علي تثبيت شريعته و دينه مهما كانت العقبات و الصعاب.

و لو كان مقياس الحسين عليه السلام خاطئا، لكانت مقاييس الرسل كلهم خاطئة، و لحكمنا عليهم بالفشل امام الفراعنة و الطواغيت، لان معظمهم قد استشهد كما استشهد الامام الحسين عليه السلام، و قد عذبوا و طوردوا و لاقوا صنوفا شتي من الصعوبات و المضايقات و العذاب، فلم يثنهم ذلك.


و من هنا جاء جواب الامام عليه السلام لابن عمر حينما حاول منعه من الذهاب الي العراق، و قوله:

(اما تعلم يا عبدالله ان من هوان الدنيا علي الله تعالي أنه أتي برأس يحيي بن زكريا الي بغي من بغايا بني اسرائيل، و الرأس ينطق بالحجة عليهم؟ اما تعلم ان بني اسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر الي طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في اسواقهم يبيعون و يشترون كلهم كأنهم لم يصنعوا شيئا، فلم يعجل الله عليهم ثم اخذهم بعد ذلك اخذ عزيز مقتدر). [1] .

و فيه اشارة الي موقف يحيي و بقية انبياء بني اسرائيل من الظلم و الانحراف و عدم وقوفهم موقف المساوم مع قومهم، مع ان ذلك ادي الي قتل العشرات منهم، فلم يمنع غيرهم بعد ذلك من اتخاذ موقفهم.

و مع ان الحسين عليه السلام ليس نبيا، الا ان مسؤوليته و هو امام هذه الامة التي قدر لها ان لا تري رسولا يبعث فيها أو في غيرها من الامم بعد جده النبي المصطفي (محمد) صلي الله عليه و آله و سلم، و التي تحتم عليه ان يكمل شوط الرسالة الذي بدأه جده خاتم الانبياء و المرسلين، و سار عليه أبوه و أخوه عليهم السلام من قبل، حتمت عليه كذلك ان يستعد لكل الصعويات التي استعد لها الانبياء من قبل، و من ورائهم كل اتباعهم و المؤمنين برسالاتهم، في سبيل تبليغ تلك الرسالات علي اكمل وجه، و اخرهم جده و امامه و قدوته رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.


فهل كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مخطئا و هو يتعرض لاحتمال الموت و الاذي في سبيل الاسلام؟

و هل كان يزيد اكثر اهلية و كفاءة من الحسين عليه السلام، ليقوم هو بحمل مسؤوليات الرسالة و يقود الامة، لمجرد ان اباه قد مهد له العرش و ذلل له الرقاب؟

و هل هناك وجه للمقارنة بينهما؟ بل: هل هناك وجه للمقارنة بين يزيد و بين اي فرد آخر من المسلمين يلتزم بالاسلام و يفهمه فهما معقولا؟

ان السوال الذي ينبغي طرحه عند استعراض قضية الحسين عليه السلام و ثورته هو: من خرج علي من؟

الحسين علي يزيد؟ ام يزيد علي الحسين؟

و وفق منطق الاسلام و لغته و واقعه، من كان ينبغي ان يكون خليفة و اماما علي المسلمين؟

و اذا لم ينتصر الخليفة الحقيقي، للخلافة و الامة و حكم الله، فمن ينتصر لها؟


پاورقي

[1] الطبري 278 / 3 و ابن‏الاثير 385 / 3 و قد وردت الرسالة في الاخبار الطول للدينوري ص 210 بالصيغة التالية: (من الحسين بن علي الي من بلغه کتابي هذا من اوليائه و شيعته بالکوفة، سلام عليکم، اما بعد: فقد اتتني کتبکم، و فهمت ما ذکرتم من محبتکم لقدومي عليکم، و انا باعث اليکم بأخي و ابن عمي، و ثقتي من اهلي مسلم بن عقيل ليعلم لي کنه امرکم، و يکتب الي بما تبين له من اجتماعکم، فان کان امرکم علي ما اتتني به کتبکم، و اخبرتني به رسلکم اسرعت القدوم اليکم. ان شاء الله و السلام). کما وردت بصيغة مختصرة في وسيلة المآل... (... اما بعد فقد وصلتني کتبکم، و فهمت ما اقتضته اراؤکم، و قد بعثت اليکم ثقتي و ابن‏عمي مسلم بن عقيل، و سأقدم عليکم و شيکا في اثره ان شاء الله). وسيلة المآل / صفي الدين ص 186 من مصورات مکتبة الامام الحکيم، (عن کتاب حياة الامام الحسين / القرشي ص 339 ج 2).