بازگشت

فلا يستفزنك السفهاء محاولة من معاوية لتصوير الامام الحسين كشخص انفعالي


و قد اوصي معاوية مروان بعدم التعرض للامام عليه السلام، لانه رأي ان الاسباب التي ذكرها غير كافية للعدوان عليه بحجة مناهضة دولته، و كتب اليه:

(لا تعرض للحسين بشي ء، فقد بايعنا، و ليس بناقض بيعتنا، و لا مخفر ذمتنا). [1] .

و لعله اراد بذلك تشجيع الامام علي الاقتراب من نظام حكمه القائم، ربما علم ان الحسين عليه السلام لم يكن ليتخذ خطوة مغايرة لخطوة اخيه الحسن و الاوضاع لا تزال كما هي، غير انه كتب اليه بنفس الوقت يعلمه بان خبر اتصاله باهل العراق معروف لديه، و قد لجأ الي التهديد و الوعيد حاسبا ان ذلك وحده الكفيل بمنع الاماممن التحرك ضده،

(اما بعد، فقد انتهت الي امور عنك لست بها حريا، لأن من اعطي صفقة بيمينه


جدير بالوفاء، فاعلم رحمك الله اني متي انكرك تستنكرني، و متي تكدني اكدك، فلا يستفزنك السفهاء الذين يحبون الفتنة و السلام). [2] .

و قد اجابه الامام عليه السلام قائلا:

(ما اريد حربك و لا الخلاف عليك). [3] .

و قد روي ابن كثير ان معاوية كتب الي الحسين عليه السلام قائلا:

(و قد انبئت ان قوما من أهل الكوفة قد دعوك الي الشقاق. و اهل العراق من قد جربت، قد افسدوا علي ابيك و اخيك، فاتق الله، و اذكر الميثاق، فانك متي تكدني اكدك، فرد عليه الحسين عليه السلام: اتاني كتابك و انا بغير الذي بلغك عني جدير، و الحسنات لا يهدي الا الله. و ما اردت لك محاربة و لا عليك خلافا، و ما اظن لي عندالله عذرا في ترك جهادك، و ما اعلم فتنة اعظم من ولايتك امر هذه الامة). [4] .

و عبارة معاوية:

(فلا يستفزنك السفهاء الذين يحبون الفتنة)

عبارة تتكرر دائما و بصيغ متعددة، و قد دست في بعض اقوال معاوية و كتبه و كذلك في بعض اقوال رجال الدولة الأموية، و أريد منها كما أوضحنا، اظهار الامام عليه السلام كشخص منفعل مت أثر بتصرفات الاخرين، و انه قام بما قام به دون دراسة او تمحيص أو حتي مجرد الاستماع لاراء الآخرين (العقلاء) و الاخذ (بنصائحهم)، و ليس شي ء دل علي بطلان تلك المزاعم من موقف الامام عليه السلام من اهل العراق ايام معاوية، و رفضه القيام بالثورة عليه في ذلك الحين.

و لو كانت للحسين عليه السلام تلك الاندفاعة العاطفية المزعومة، و عدم التبصر، كما حاول معاوية الايحاء بذلك، و كما اشار اليه بعض المتعلمين و الكتاب و النقاد، لكان قد استجاب من اول وهلة لمطاليب أهل العراق، و سار معهم لمقارعة معاوية، غير انه علم كما علم اخوه عليه السلام من قبل، ان الظروف الموضوعية لم تكن مهيئة في عهد معاوية لاعلان الثورة، مع انه بيت نية الجهاد منذ البداية.

لم يعلن لزائريه انه سيتخلي نهائيا عن فكرة جهاد الظالمين،ولكنه ابلغهم عزمه


علي استئنافه في الوقت المناسب، مع انه لم يتخل عن دوره الجهادي الكبير في تربية الامة و اعدادها، و تزويدها بما يؤهلها للبقاء علي قيد الحياة، بمواجهة الحملة الشرسة التي و اجهتها لسلب كيانها و تحويلها الي جئة هامدة.

و لم يكن هناك انسب من الوقت الذي خلت فيه الساحة من معاوية، و ذهب معه بريقه و سلطانه، و اصبح يزيد الخليفة و القائد الفعلي للامة، و لابد هنا من لفت نظر الامة بشكل سريع الي ما تتعرض له من مخاطر اذا ما استسلمت ليزيد و قبلته اماما لها، و هو ما فعلته في عهد معاوية من قبل.


پاورقي

[1] المصدر السابق ص 206 / 205.

[2] المصدر السابق.

[3] المصدر السابق.

[4] ابن‏کثير: 164 / 8.