بازگشت

سر الي اليمن


و لم يكتف ابن عباس عندما رأي اصرار الامام عليه السلام علي المسير الي العراق و أتاه بعد وقت قصير، من العشي أو من الغد و قال له:

(يا ابن عم، اني اتصبر و لا اصبر، اني اتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك و الاستئصال، ان اهل العراق قوم غدر، فلا تقربنهم، أقم بهذا البلد فانك سيد أهل الحجاز، فان كان أهل العراق يريدونك، كما زعموا فاكتب اليهم فلينفوا عدوهم، ثم أقدم عليهم، فان أبيت الا أن تخرج فسر الي اليمن فان بها حصونا و شعابا، و هي ارض عريضة طويلة، و لأبيك بها شيعة، و انت عن الناس في عزلة، فتكتب الي الناس و ترسل، و تبث دعاتك، فاني ارجو ان يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية). [1] .

ان اقتراح ابن عباس قد يبدو لطالب حكم عادي أو لمجرد منافس من منافسي الدولة الاموية من اصوب الاقتراحات و اكثرها عملية، اما لصاحب قضية حقيقية مثل الحسين عليه السلام، يري ان خطرا ماثلا يكاد يطيح بالامة بأجمعها و يري انه المسؤول الاول بحكم كفاءته و علمه و موقفه منها، و الشخص الوحيد القادر علي انقاذها بالاسلوب المناسب، لا تسليم نفسه ضحية للحكم الجائر، أو الاختباء في مكان ناء و ارسال الرسائل و صرخات الاحتجاج بل بالتصدي الفعلي الواضح المعلن، بالفعل الارادي الحقيقي الذي يعبر عن رغبة تدعو اليها ضرورة التغيير السريع الحاسم.

و هكذا رفض الحسين عليه السلام البقاء في المدينة، لان السلطة هناك ستلقي القبض عليه و تحاصره أو تقتله، و عند ذاك لن يصل صوته الي ابعد من حدودها. و كذلك رفض


البقاء في مكة، اذ ان السلطة ايضا و بمجرد انقضاء موسم الحج الذي كان قريبا جديدا (بعد يومين فقط)، سيخلو لها الجو و ستنتهك حرمته و حرمة مكة و بيتها ايضا، و ستعمد الي استعمال اشد الاساليب قسوة معه دون شهود عديدين من ابناء الامة، و ستزور القضية التي دعا لها، و ستعرضها علي انها قضية منافسة في الملك و السلطان.

كما رفض الذهاب الي اماكن نائية مثل اليمن، و الاحتجاب في جبالها و شعابها و ارسال كتبه و دعاته الي الناس، لان الدولة ستستنفر أعوانها لمحاصرته و حجب صرخاته، و القبض علي دعاته و تصويره علي انه مجرد متمرد يلوذ بالجبال، و ليس له من القوة و الاعوان و الرصيد الشعبي و الكفاءة ما يمكنه من مواجهة السلطة، التي ستعمد (لمواجهة ذلك) الي تحسين مؤقت لصورتها، و عرض نفسها علي انها الممثل الحقيقي و المؤهل للتعبير عن ارادة الامة، و رغباتها و مصلحتها، و ستسفر عن واقعها الارهابي بمواجهة كل من التفوا حول آل البيت عليه السلام، و ستعمد الي ابادة شاملة لهم، و تزييف كامل لموقفهم، خصوصا و انها تمتلك المال اللازم لشراء من يقفون معها لتنفيذ مخططاتها، و القوة اللازمة لتنفيذ تلك المخططات.


پاورقي

[1] الطبري 395 / 3، و ابن‏الاثير 400 / 3، و مقتل الخوارزمي 217 / 1، و مروج الذهب 65 / 3، و جمهرة خطب العرب 36 / 2، مع اختلافات يسيرة ببعض النصوص، و ترجمة ريحانة الرسول من تاريخ دمشق لابن‏عساکر ط بيروت 204، و نهاية الارب للنويري 408 / 20.