بازگشت

وجود الامام الحسين في مكة يقلق يزيد و ابن الزبير علي السواء


لقد كان اقبال الناس علي الحسين بمكة كبيرا.

(و وفدت الناس لحسين يقولون لو تقدمت فصيلت بالناس فانزلتهم بدارك). [1] .

و كان ذلك كما بينا يشكل خطرا امام الحكومة اليزيدية التي لم تستطع ارغامه علي البيعة أو استمالته الي جانبها، او العمل علي تحييده و ابعاده عن التأثير.

و قد كان امتناعه عن البيعة، ثم خروجه من المدينة الي مكة و بقاؤه في مكة عدة اشهر، و انشغل الناس فيها بشأنه و التفوا حوله التفافا حميما، الي درجة تركوا فيها عامل الدولة و مبعوثها، و توجهوا اليه عليه السلام لاقامة الصلاة بهم، مصدر قلق و انزعاج كبيرين ليزيد و عامله علي مكة عمرو بن سعيد، الذي لحقه من المدينة و حاول منعه من الخروج، و قد فوجي ء عندما بلغه ان الحسين قد خرج من مكة بعد ذلك الي العراق بعد ان اعلن،ثورته فقال:

(اطلبوه، اركبوا كل بعير بين السماء و الارض فاطلبوه، فعجب الناس من قوله هذا). [2] .

لماذا لم يرد له عامل يزيد الخروج من مكة؟

و اذا بقي فيها، فهل يرضي يزيد بذلك و يسكت أو يقنع؟

و هل كان يستطيع البقاء في مكة و السيف الاموي مصلت علي رأسه كما اصلت في المدينة؟

و هل لا يعمد يزيد الي تنفيذ تهديده و قتله و استئصاله وآل بيته الي الابد، و استباحة حرمتهم و اضاعة اثرهم، فلا يعود احد يتحدث عنهم أو يذكرهم، و تنساهم الناس الي الابد؟ خصوصا اذا ما استسلموا و ماتوا ميتة ذليلة يقودهم خلالها اعوان يزيد و شرطته امام سمع الناس و ابصارهم في مكة أو المدينة، مستهينين بالمدينتين المقدستين؟


الم يتعرض الامام عليه السلام للقتل لو انه لم يأخذ معه جماعة من اصحابه و اهل بيته الي منزل الوليد؟ أكان مروان نفسه يتورع عن قتل الحسين في المدينة لو اتيحت له الفرصة؟ ام كان عمرو بن سعيد يتورع عن قتله في مكة لو اتيح له ذلك؟

الم يبعثوا اليه بمجموعة من اعوان الدولة و جنودها لاغتياله، ثم لمنعه و القاء القبض عليه قبل مغادرة مكة؟

و اية قيمة لوعود ادرك الجميع و في مقدمتهم الامام عليه السلام بطلانها و زيفها؟ و قد كانت لها سوابق من و عود اخري أعلن فيها معاوية نفسه تنصله منها فيما بعد و انها تحت قدميه، مثل العهد المكتوب بينه و بين الامام الحسن عليه السلام؟

ان تصميم الحسين عليه السلام هو نفسه في مكة أو المدينة أو غيرهما، باق لم يتغير، لا ليزيد و لا لمبايعته و لا لحكمه و لا لسطانه.

ان هذا ما ينبغي ان يفهم من قبل كل دارس للاحداث الدقيقة التي سبقت الثورة و رافقتها، فهل وجد احد في حوادث التاريخ ما يثبت لنا عكس ذلك؟

و لو انا تمعنا بنصائح محمد بن الحنفية و عبدالله بن عباس، و هما من اقرب الناس الي الامام عليه السلام لما وجدنا اشارة الي انهما قالا له بايع يزيد و استسلم و احسم الامر منذ البداية، فانهما اعرف بيزيد و اخلاقه من غيرهما، و قد علما و علمهما يقيني بالحسين عليه السلام انه ما كان ليبايعه في المدينة أو في مكة أو في العراق أو في اي مكان آخر من العالم.

كان ذلك لديهما امرا مؤكدا رغم علمهما انه عليه السلام يعلم انه سيتعرض للمطاردة و الاذي و القتل، و ما كانت نصائحهما منصبة الا علي ابعاده عن ذلك الاذي المحتمل و النأي به الي ابعد ما يمكن ان تحمله قدماه اليه.

لقد اصبح موقف الحسين عليه السلام من يزيد واضحا و معلنا امام الامة، و قد شكل امتناعه عن البيعة احتجاجا قويا علي الدولة الأموية اليزيدية، و رفضا تاما لها، و دعوة صريحة للامة لكي تثوب الي رشدها، و تعود الي الاسلام رافضة الحكم التسلطي المطلق الجديد.

و قد باتت الامة باجمعها تترقب الخطوة التالية التي سيقدم عليها الامام و ما سيفعله بعد ذلك، هل سيتنازل كما تنازلت هي و استسلمت، ام سيمضي الي النهاية في موقفه المعارض الرافض للحكم الاموي جملة و تفصيلا؟


انه اذا ما فعل ذلك و مضي في موقفه الي النهاية، فانه سيشعرها حتما بانحرافها و تدنيها و خضوعها و ابتعادها عن الاسلام، و سيكون ذلك اكبر صرخة احتجاج في وجهها اذا ما قدم حياته في سبيل هدفه الكبير. فالمهمة هائلة جدا، و اذا لم تنجز في وقتها المحدد فستفوت الفرصة عليه و عليها الي الابد، فكيف كان الامام سينجزها؟ و كيف كان يستطيع ان يعيد الامة الي صوابها؟ هذا ما ينبغي ان نتساءل عنه دائما، و ذلك ما سنعرفه بعون الله في الفصول القادمة.



پاورقي

[1] العقد الفريد 119 / 1، 18 / 5.

[2] العقد الفريد 119 / 1 18 / 5.