بازگشت

يزيد يكشف خطورة الموقف فيراسل ابن عباس محاولة أخيرة


و قد ارتبك يزيد عند ما ادرك خطورة الموقف الملتهب في مكة، و الذي قد يمتد حتي الي الشام نفسها، فكتب الي عبدالله بن العباس رسالة يشكو له فيها من الحسين عليه السلام، و يتهدد و بعد بتقديم رشوة كبيرة للامام عليه السلام اذا ما تخلي عن موقفه الرافض له، و وضع يده في يده، و استسلم كما استسلم بقية ابناء الامة، و قد جاء فيها:

(اما بعد، فان ابن عمك حسينا و عدو الله ابن الزبير التويا ببيعتي و لحقا بمكة، مرصدين للفتنة، معرضين انفسهما للهلكة.

اما ابن الزبير فانه صريع الفناء و قتيل الاعداء غدا.

و اما الحسين، فقد احببت الاعذار اليكم أهل البيت مما كان منه، و قد بلغني ان رجالا من شيعته من أهل العراق يكاتبونه و يكاتبهم، و يمنونه الخلافة و يمنيهم الامرة، و قد تعلمون ما بيني و بينكم من الوصلة و عظيم الحرمة، و نتائج الارحام، و قد قطع ذلك الحسين و بتر، و انت زعيم أهل بيتك، و سيد بلادك، فالقه فاردده عن السعي في الفتنة، فان قبل منك و أناب فله عندي الامان و الكرامة الواسعة، و اجري عليه ما كان ابي يجريه علي اخيه، و ان طلب الزيادة فاضمن له ما اديك، و انفذ ضمانك، و اقوم له بذلك و له علي الايمان المغلظة، و المواثيق المؤكدة بما تطمئن به نفسه، و يعتمد في كل الامور عليه، عجل بجواب كتابي، و به كل حاجة لك قبلي). [1] .




و يبدو ان هذه الرسالة اذا ما صحت قد ارسلت الي ابن عباس في المدينة، لحثه علي منع الحسين عليه السلام من الثورة و الخروج الي العراق، و قد رأينا من سياق الاحداث ان ابن عباس و ابن عمر لقيا الحسين عليه السلام و هو في طريقه الي مكة و هما في طريقهما الي المدينة، اما اللقاء الثاني فكان قبيل مخرج الحسين الي العراق.

و لعل يزيد قد حسب ان الرشوة و الاغراءات من شأنها ان تضمن استجابة الجميع له، بما فيهم الحسين عليه السلام، و من هنا كان تأكيده في الرسالة بشكل ملح و محموم علي تقديم كل ما قد يرغب فيه، و ربما حسب في سياق الوهم الذي جره اليه ابوه و اقتنع به هو ان خروج الحسين عليه السلام كان بدوافع ذاتية بحتة، منها المنافسة و منها الاستجابة السريعة لرسائل أهل العراق كما اوضحنا من قبل، و لم يحسب حساب الدوافع الحقيقية وراء ذلك، و التي لا يتمكن الحسين عليه السلام معها من التخلي عما أزمع القيام به.

و يراد ان يشار هنا الي ان كاتب الرسالة يتمتع بقدر من الحصافة وسعة البال و العقل، و انه يلقي الحجة علي (عدوه) و يحذره مغبة الاقدام علي مناوئته، و هو الامر الذي اضافه بعض الكتاب الموالين للدولة الاموية الي (رصيد) يزيد، و قالوا انه لم يقدم علي خطوته بقتل الحسين عليه السلام و اصحابه الا بعد أن أنذر اليهم كما فعل بالضبط بعد ذلك مع أهل المدينة.

و هنا لنا وقفة بسيطة معهم: هل وعد يزيد بالتراجع عن مواقفه و سلوكه في هذه الرسالة و في رسالته الي أهل المدينة بعد ذلك؟ ام انه طلب عدم التصدي له و حربه و حسب؟ و هل ان طلبه كان (حجة) لا يقاف الحسين عليه السلام، لكي يكون خروجه و ثورته بعد ذلك غير مشروع و لا مبرر بنظر هؤلاء، مادام (ولي الامر) وليا للأمر حقا؟ و هل كان يزيد يتمتع بالشرعية التي تتيح له الجلوس علي كرسي الخلافة اصلا، لكي يكون امره مطاعا، و حجته بالغة علي جميع الناس؟

و مهما يكن من أمر، و مهما بدا يزيد عاقلا حصيفا بنظر اولئك المعجبين، فان


تلك الرسالة لم تكن سوي محاولة لكسب و استمالة الحسين عليه السلام، و لعلها كانت تنبع من مخاوف حقيقية من عواقب الثورة، و لعل يزيد كان صادقا بوعوده التي بذلها برسالته، فاستجابة الحسين عليه السلام له، كانت تمثل حلما من احلامه البعيدة، اذ انها ستكون حقا الزينة الفريدة التي سيزين بها عرشه، و يتيح له ان يتبجح امام الامة بانه الخليفة الشرعي حقا، مادام الحسين عليه السلام قد وضع يده في يده و رضي ان يخضع لحكمه و يعيش في ظله، و لن يهمه عندها ما يعطيه و ما يبذل له.


پاورقي

[1] تذکرة الخواص لسط ابن‏الجوزي ط النجف 239 / 238 و تاريخ ابن‏عساکر 70 / 13 و ترجمة الحسين عن تاريخ دمشق ط بيروت ص 204 و قد ذکر ان يزيد ذيل الرسالة بابيات من الشعر، منها:



يا أيها الراکب الغادي مطيته

علي عذافرة في سيرها قحم



أبلغ قريشا علي نأي المزار بها

بيني و بين حسين الله و الرحم



و موقف بفناء البيت أنشده

عهد الاله و ما توفي به الذمم



هنيتم قومکم فخرا بأمکم

ام لعمري حصان عفة کرم



هي التي لا يداني فضلها احد

بنت الرسول و کل الناس قد علموا



و فضلها لکم فضل و غيرکم

من قومکم لهم في فضلها قسم



اني لأعلم او ظنا کعالمه

و الظن يصدق احيانا فينتظم



أن سوف يترککم ما تدعون به

قتلي تهاداکم العقبان و الرخم



يا قومنا لا تشبوا الحرب ان سکنت

و أمسکوا بحبال الله و اعتصموا



قد غرت الحرب من قد کان قبلکم

من القرون و قد بادت بها الامم



فأنصفوا قومکم لا تهلکوا بذخا

فرب ذي بذح زلت به القدم.