بازگشت

حرص الامام الحسين علي الكعبة و قداستها


و لم يكن الحسين عليه السلام يرغب في ان يغير الصورة الجميلة للمدينة المقدسة في اذهان المسلمين، و لم يكن يريد لأحد ان يستحل حرمة مكة، حتي ولو كان ذلك يشكل املا وحيدا لا نقاذ حياته، اذ ان ذلك يجعلها عرضه لك غشوم علي مر الايام.

ان بقاءه في مكة قد يكون عملا سلبيا نتيج عن مجرد رفضه مبايعة يزيد، و ليس عملا ايجابيا ناتجا عن ارادة التغيير و القيام بفعل حقيقي يسعي فيه للاطاحة بالحكم الاموي من خلال سعيه لتعبئة ابناء الامة لكي تقوم بعمل عسكري ينهي فترة الظلام الاموية الرهيبة. و هكذا جاء رده لابن عباس و لكل من نصحوه بالبقاء في مكة و عدم الخروج منها:

(... لأن اقتل و الله بمكان كذا أحب الي من ان أستحل بمكة). [1] .

و قال لابن الزبير:

(ان ابي حدثني ان بها كبشا يستحل حرمتها، فما احب ان اكون انا ذلك الكبش). [2] .

و قال للناس اثر مسارة ابن الزبير له:

(و الله لأن اقتل خارجا منها بشبر احب الي من ان اقتل داخلا منها بشبر). [3] .

كان يريد ان تظل لمكة حرمتها و ان تظل للبيت العتيق مكانته، و الا يستحلا بسببه، اذ انهما اذا ما استحلا مرة فسيكون ذلك سببا لاستحلالهما الي الابد، و ستفقدان بعض قداستهما بنظر المسلمين، لتكون الكعبة مجرد احجار صماء و عيدان كما قال الحجاج الثقفي، و ان من يملك القوة علي اعادة بناء الاحجار، يستطيع


تهديمها فهي ليست سوي بناية عادية [4] ، لا تشكل اية قيمة بنظر الامويين البعيدين عن الاسلام، الا قيمة الاحجار التي بنيت بها، كما رأينا في وصية مسلم بن عقبة المري لخليفته الحصين بن نمير.

كان الاقدام علي غزو الكعبة احد ردود الفعل لدي اعوان السلطة الاموية عندما شعروا ان هناك من يناؤهم و يخرج علي سلطانهم، فقد.

(بعث الي عبدالله بن الزبير عمرو بن سعيد فقال له أبوشريح لا تغز مكة فاني سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: «انما اذن الله لي في القتال بمكة ساعة من نهار ثم عادت كحرمتها» فابي عمرو ان يسمع قوله، و قال: نحن اعلم بحرمتها منك ايها الشيخ، فبعث عمرو جيشا (مع عمرو بن الزبير). [5] .

لقد رفض عمرو الاستماع الي ابي شريح، رغم انه قد سمع مقالة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم التي بغله اياها من سمعها منه امام ملا من المسلمين، و لم يكن ما قاله الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و خطبته مما يخفي علي المسلمين، غير ان مصالح الدولة المنحرفة كانت بنظر اعوانها فوق كل شي ء.

روي ابوشريح الخزاعي قال:

(لما قدم عمرو بن الزبير مكة لقتال اخيه عبدالله بن الزبير، جئته فقتل له: يا هذا انا كنا مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حين افتتح مكة، فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة علي رجل من هديل فقتلوه فقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فينا خطيبا، فقال:«يا أيها الناس، ان الله حرم مكة يوم خلق السماوات و الأرض، فهي حرام من حرام الي يوم القيامة، فلا يحل لا مري ء يؤمن بالله و اليوم الآخر، ان يسفك فيها دما و لا يعضد فيها شجرا، لم تحلل لأحد كان قبلي، و لا تحل لاحد يكون بعدي، و لم تحلل لي الا هذه الساعة، غضبا علي اهلها. الا ثم قد رجعت كحرمتها بالامس، فليبلغ الشاهد منكم


الغائب. فمن قال لكم: ان رسول الله قد قاتل فيها، فقولوا: ان الله قد احلها لرسوله، و لم يحللها لكم، فقال عمرو لابي شريح: انصرف ايها الشيخ، فنحن أعلم بحرمتها منك، انها لا تمنع سافك دم، و لا خالع طاعة، و لا مانع جزية، فقال ابوشريح: اني كنت شاهدا و كنت غائبا. و لقد امرنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ان يبلغ شاهدنا غائبنا، و قد ابلغتك فأنت و شأنك. [6] .

و نري هنا ان عمرو لم يستجب لأمر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و كانت مصلحة الدولة برأيه فوق اقوال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ما دامت تلك الاقوال تتعارض مع تلك المصالح.


پاورقي

[1] مروج الذهب 69 / 3.

[2] الطبري 296 - 295 / 3 و ابن‏الاثير 400 / 3.

[3] الطبري 296-295 / 3 و ابن‏الاثير 400 / 3.

[4] کما قال مسلم بن عقبة للحصين بن نمير و هو يأمره بغزو مکة (... فانصب عليه المجانيق، فان عاذوا بالبيت فارمه فما اقدرک علي بنائه) انساب الاشراف للبلاذري ج 4 ق 452 و قد وردت هذه الوصية في العديد من کتب التاريخ الاخري مثل الامامة و السياسة ج 346 / 345 1 و تاريخ اليعقوبي ص 251 و وفيات الاعيان 320 / 5 و الطبري 382 - 381 / 4 مع بعض الاختلافات اليسيرة في النصوص.

[5] الطبري 274 / 3 و ابن‏الاثير 380 / 3.

[6] السيرة النبوية،(ابن‏هشام، ق 2، ج 4 / 3. ص 416 - 415.