بازگشت

دلالة تنكب الطريق الاعظم علي المنهج الاسلامي في المعارضة و الثورة


و يبدو ان الامام عليه السلام كان يريد بخروجه علي تلك الصورة الواضحة متنكبا الطريق الاعظم الذي يمر منه آلاف الناس اشعار الامة باستنكاره استلام يزيد مقاليد السلطة و رفضه المعلن لذلك، اذ ان موسم الاشهر المقدسة و اقتراب شهر الحج


يجعل عشرات الالاف من الحجيج يفدون الي مكة (قبل الموسم بالطبع لبساطة وسائط النقل و المواصلات، و قد يكون ذلك من باب الاحتياط و ضمانا لوصولهم قبل الموعد المقرر، خصوصا و ان زيارة مكة قد لا تتاح لمن يقطنون بعيدا عنها الا مرة واحدة في حياتهم).

فهو لم يكن يخاف علي حياته شخصيا، بالقدر الذي كان يخاف علي مهمته الا تنجز امام سمع المسلمين و بصرهم و في وضح النهار، لكي يفكروا فيها بشكل جديد و يتراجعوا عن الموقف الذي استدرجوا اليه بفعل تدابير معاوية الشيطانية.

و من هنا نري ان كثيرا من تدابيره و مواقفه عليه السلام تستهدف اشعار اكبر عدد من الناس بطبيعة المهمة الدقيقة التي كان ينوي القيام بها رغم ما قد يتعرض له من موت محقق اشار اليه اكثر من مرة خلال لقاءاته و خطبه و احاديثه وردوده علي من نصحه بالعودة، أو عدم الذهاب الي العراق فيما بعد.

و قبيل دخول مكة، و عندما تراءت له جبالها اخذ يردد قوله تعالي:

(و لما توجه تلقآء مدين قال عسي ربي أن يهديني سوآء السبيل). [1] .

و قد استقبل في مكة استقبالا منقطع النظير، فقد كانت الامة ترصد حركاته لتتخذ الموقف المناسب علي ضوئه، و ان كانت قراراتها بطيئة و مائعة و متذبذبة بفعل ارهاب السلطة و اعتياد الناس علي الاستسلام و الهزيمة و المساومة.

و قد لقيه، و هو في الطريق الي مكة عبد الله بن مطيع العدوي و أشار عليه ان لا يذهب الي العراق، اذا ما عزم السير في قضيته الي النهاية و قال له:

(فاذا اتيت مكة فاياك ان تقرب الكوفة فأنها مشؤومة بها قتل ابوك و خذل اخوك، و اعتل بطعنة كادت تأتي علي نفسه، الزم الحرم فانك سيد العرب، لا تعدل بك أهل الحجاز احدا، و يتداعي اليك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم فداك عمي و خالي فوالله لئن هلكت لنسترقن بعدك). [2] .


ان المخاوف من العراق كانت مخاوف مبررة، تدعمها تجارب سابقة اشارت الي خذلان اهلها أميرالمؤمنين عليه السلام الذي اراد ان يجعلهم طليعة لجيل جديد من الامة يربيه و يعده كما ربي و أعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم جيل الصحابة الاوائل، و خذلان الامام الحسن عليه السلام من بعده، لان مجتمع العراق كان مجتمعا مستهدفا من قبل معاوية، الذي اراد ان يجعله شبح مجتمع، فعمل علي تمزيقه و اثارة الخلافات و المخاوف بين ابنائه، و اضطهدهم و عاملهم معاملة سيئة باعتبار انه كان من اشد المجتمعات عداوة له.

و اذ يخضع ذلك المجتمع، و يستسلم في الظاهر، فانه سرعان ما يقوم بوجه السلطة عند ظهور أدني بادرة يري انه قادر فيها علي كسر طوق الخوف و الذل، و تلمس الطريق الذي رسمه له أميرالمؤمنين عليه السلام من قبل، و الذي ظل يحتفظ له باجمل الصور و اجمل الذكريات التي عاشها في ظل دولة العدل و الحرية و الامان التي اقامها عليه السلام و جعل عاصمتها الكوفة. فالسيف الاموي لم يزل فوق الرقاب. و الخزينة الاموية لم تزل مع عمال الدولة يستميلون بها الناس، و المتملقون من رؤساء القبائل و غيرهم يرون ان مصالحهم رهينة ببقاء هذه الدولة التسلطة.

و هذا ما اخاف من تقدموا بنصيحتهم الي الامام عليه السلام بعدم الذهاب الي الكوفة اذا ما اختار مكانا لاعلان ثورته علي النظام الجائر، و قد شكر الامام عليه السلام ابن مطيع علي (نصيحته) التي تكررت فيما بعد من اناس آخرين، طلبوا منه عدم الذهاب الي العراق، غير ان القرار الذي اتخذه عليه السلام فيما بعد و علي ضوء طلب أهل الكوفة لقدومه عليهم كان يبدو انه قرار نهائي لا رجعة فيه، رغم ما لاح امامه من مخاطر عديدة في مقدمتها خطر الموت، الذي اشار عليه السلام اليه عدة مرات انه نازل به لا محالة، و في تصريحاته هذه التي سبقت واقعة الطف، و التي بدات منذ رفضه اقرار بيعة يزيد و تسلمه السلطة، و منذ ان كان الامام عليه السلام في المدينة مجال لتأملات عديدة.

اذ ما الذي يدعوه لخوض معركة يعلم انه مقتول فيها في النهاية.

و هذا ما ينبغي لنا تبينه و دراسته، و سنحاول ذلك بعون الله.


پاورقي

[1] القصص: الآية 22.

[2] ابن‏الاثير 381 / 3، و نهاية الارب في فنون الادب للنويري. 2 ص 384 القاهرة. و الطبري 351 / 5 ط دار المعارف القاهرة.