بازگشت

يزيد يعزل عامله علي المدينة و يعين مكانه (الأشدق) الحاقد علي اهل البيت


و قد بادر يزيد بعزله بعد ذلك (... في شهر رمضان، فأقر عليها عمرو بن سعيد الاشدق (عمرو بن سعيد بن العاص) [1] ، الذي كان يكن حقدا خاصا علي أهل المدينة و آل بيت الرسول صلي الله عليه و آله و سلم خاصة.


و ما كان يزيد يتورع عن ارسال عبيد الله بن زياد او مسلم بن مسلم بن عقبة المري أو غيرهما كعمرو بن سعيد بن العاص، من اشتهروا بقسوتهم و فظاظتهم ليقتلوا الحسين عليه السلام في المدينة، اذ لا يعرف هؤلاء حرمة لاحد مهما بلغ مقامه، حتي ولو كان ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أو كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. كان يزيد يحاول شد أزر الوليد بن عتبة بأناس موالين له و معروفين بانحيازهم التام لعائلته أمثال روح بن زنباع الذي بذل جهودا محمومة لا جبار أهل المدينة علي البيعة، و القي فيهم خطبا متشنجة تكاد تشبه السباب و التهديد و قد جاء في احداها:

(أيها الناس، انا لا ندعوكم الي لخم و جذام و كلب، ولكنا ندعوكم الي قريش، و من جعل الله له هذا الامر و اختصه به، و هو يزيد بن معاوية. و نحن ابناء الطعن و الطعون و فضالات الموت. و عندنا ان اجبتم و اطعتم من المعونة و العائدة ما شئتم، فبايع الناس). [2] .

و تبدو المغالطات واضحة في هذه الخطبة التي حشدها بالمفاهيم و المقولات الاموية المضللة، فكأن الامر أمر لخم و جذام و كلب و قريش، و كأن يزيد هو خلاصتها و من جعل الله له هذا الامر و اختصه به دون خلقه اجمعين علي حد زعمه. و يبدو ان عمرو بن سعيد ابن العاص الاشدق كان يريد ان يبدو بمظهر مغاير للمظهر الذي بدا عليه الوليد بن عتبة، أراد ان يبدو قويا صاحب قضية و حق، و ربما اراد بملابسه التي ظهر بها امام أهل المدينة علي منبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ان يجعل من الطاووس الفخور بزينته، و الذي مثله خير تمثيل، المؤثر الاول علي جمهور المتعجبين الذين حسبهم من المعجبين، و الذين ربما رأي بعضهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بملابسه البسيطة علي ذلك المنبر، و هو يلبس لباسهم و بعيش عيشتهم، و يرون الآن ذلك المنتفخ ببردية المعجب بزينته المتشدق بكلامه، و هو يوجه اليهم الاتهام و السباب و التهديد.

و نترك الحديث لابن عائشة يحدثنا عنه عندما قدم المدينة اميرا بعد عزل الوليد.

فخرج الي منبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فقعد عليه و غمض عينيه و عليه جبة خز قرمز،


و مطرت خز قرمز، و عمامة خز قرمز، فجعل أهل المدينة ينظرون الي ثيابه اعحابا بها، ففتح عينيه فاذا الناس ينظرون اليه، فقال:

ما بالكم يا أهل المدينة ترفعون الي ابصاركم، كأنكم تريدون ان تضربونا بسيوفكم؟ أغركم انكم فعلتم ما فعلتم فعفونا عنكم؟ أما أنه لو أثبتم بالاولي ما كانت الثانية؛ أغركم أنكم قتلتم عثمان فوافقتم ثائرنا منا رفيقا، قد فني غضبه و بقي حلمه؟ اغتنموا انفسكم، فقد و الله ملكناكم بالشباب المقتبل، البعيد الامل الطويل الاجل، حين فرغ من الصغر، و دخل في الكبر، حليم جديد، لين شديد رقيق كثيف، رفيق عنيف، حين اشتد عظمه. و اعتدل جسمه، و رمي الدهر ببصره،و استقبله بأشره، فهوان عض نهس، و ان سطا فرس، لا يقلقل له الحصي و لا تقرع له العصا و لا يمشي السهمي). [3] .

و قد خطب قبلها في أهل مكة عندما عينه ابوه واليا عليها، و قد هددهم قائلا:

(يا أهل مكة، انفسكم انفسكم؛ و سفهاءكم سفهاءكم؛ فان معي سوطا نكالا و سيفا وبالا، و كل منصوب علي اهله) [4] .

و لم يبق بعد خطبته الاولي تلك في أهل المدينة الا ثلاث سنين و ثمانية أشهر حتي قصمه الله. [5] .

كان عمرو ممثلا معقولا ليزيد، و قد ذهب به غروره فيما بعد لا دعاء الخلافة لنفسه بعد ان رأي من يساوونه قد احتلوا ذلك النصب امثال يزيد و مروان و عبدالملك.

لقد خرج عمرو هذا في رمضان اميرا علي المدينة و الموسم، وعزل الوليد بن عتبة، و ربما ذهب الي مكة في اثر الحسين عليه السلام، و قد وصل مكة قبل التروية بيوم، اي قبل عرفة بيومين، و حاول منعه من الخروج الي العراق و قال:

(اطلبوه، اركبوا كل بعير بين السماء و الارض فاطلبوه). [6] .

ان ما اكدته الاحداث هو ان الحسين عليه السلام رفض يزيد منذ اللحظة الاولي، و كان من أشد المعارضين لمبايعته، و لم يخرج المدينة بناء علي طلب أهل العراق


الذي وصله متأخرا و عند وجوده في مكة فيما بعد، و هذا و هم ارادت الدعاية الاموية ايقاع الرأي العام المسلم به، لابراز الحسين عليه السلام كطالب حكم و منافس ليزيد، و حاولت بنفس الوقت التنديد الحسين عليه السلام لهذا السبب و بأهل العراق لخذلانهم اياه و بوصفهم من (المتقلبين و الغادري) الدائميين الذين لا يؤتمن جانبهم و لا يوثق بهم، و ذلك ردا علي موقفهم من معاوية و اتباعه.

و لهذا بحث منفصل تطرقنا الي بحث بعض جوانبه، و ستنحدث بعون الله عن جوانبه الاخري.



پاورقي

[1] الطبري 272 / 3.

[2] البيان و التبيين، الجاحظ تحقيق عبد السلام محمد هارون، ط 2 القاهرة مکتبة الخانجي 1960 م ج 1 ص 392.

[3] العقد الفريد 219 / 218 / 4.

[4] العقد الفريد 219 / 218 / 4.

[5] العقد الفريد 219 / 218 / 4.

[6] المصدر السابق 126 / 5.