بازگشت

حزن الامام الحسين علي واقع الأمة


لقد امض الحزن الحسين عليه السلام و هو يري تخاذل الناس عن نصرة دينهم و نبيهم صلي الله عليه و آله و سلم و خرج يجر الخطي بعد ان دخل مسجد المدينة.

(و انه ليمشي و هو معتمد علي رجلين، يعتمد علي هذا مرة و علي هذا مرة، و هو يتمثل بقول ابن مفرغ:



لا ذعرت السوام في فلق الصب

بح مغيرا و لا دعيت يزيدا



يوم أعطي من المهابة ضيما

و المنايا يرصدنني ان أحيدا [1] .



فلما سار الحسين عليه السلام نحو مكة، قال:

(فخرج منها خآئفا يترقب قال رب نجني من القوم الظلمين). [2] كان مشهد القافلة الحسينية و هي تغادر مدينة جده حزينا جدا، فمع ان الحسين عليه السلام سيقف موقفا مشهودا امام الله يسجل فيه ما قام به من اجل دينه، و هو منتصر بمقاييس الاسلام، غير


ان الثمن الذي يدفعه لم يكن ثمنا بخسا، كان الثمن فراق ما ألف من حياة في جو المدينة المقدسة التي ولد و نشأ فيها، و فيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أمه و أخوه عليه السلام و كل أعزته. و كان ما سيتعين عليه دفعه هو حياته و حياة الثلة من اهله و اصحابه، في مشهد مروع. ان آلام مشاهد الوداع و الخروج من المدينة و رؤية الامة منهكة ضعيفة مستسلمة، ثم كل المشاهد التي اعقبتها انتهاء بالواقعة الفاجعة، اريد لها ان تمثل دائما امام الامة و ان يكون لها شهودها الذين سيروون للآخرين،، كيف ان ما حسبوه مستحيلا عليهم، و هو الوقوف مع الحسين عليه السلام، كان ممكنا، و انهم قد ضيعوا فرصة العمر الكبيرة لتسجيل موقف النصر علي الطغاة.

لقد اريد للامة ان تفكر في انها لو وقفت مع الحسين عليه السلام لحققت نصرا مؤكدا علي الظالمين، و لأقامت حكم الله حقا، و لكانت و قفتها فاصلة في حياتها الي الأبد، و لما تحملت مسؤولية الاجيال اللاحقة من بعدها.

لقد كان موقف وداع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وداعا مؤثرا، و كانت مناجاة الحسين عليه السلام لله، عند قبر رسوله الكريم صلي الله عليه و آله و سلم معبرة عن الاستسلام التام لحكمه و قضائه، و الاستعداد للتضحية من أچل دينه، و قد أوشك هذا الدين ان يندثر تحت و طأة المحرفين و الكذابين و الدجالين الذين ارتدوا رداءه، و رفعوا بعض شعاراته فخدعوا الامة و ساروا بها في طريق الضلال و الانحراف ارضاء لفراعنتها الجدد، الذين تسللوا الي الاسلام، و دخلوا في صفوف المسلمين بعد ان لم يجدوا بدا من ذلك، و قد بدأوا تدريجيا بسحب البساط من تحت ارجل الامة و استدراجها و غوايتها، مستغلين بوادر انحراف سابقة، حتي اصبحوا في مركز الصدارة، و احتلوا منصب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و قد تم ذلك كله بفترة زمنية قياسية لم تتجاوز نصف قرن علي وفاة الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم.

كانت الامة موشكة علي الانهيار التام و النهائي، و هو ما كان يمض الامام عليه السلام و يقض مضجعه عندما كان يري ان الشخص الوحيد الذي بامكانه ان يوقضها و ينتزعها من سباتها و استسلامها، كان يري انه مسؤول شخصيا ان لم يقم حالا و يستجيب للمعروف الذي احبه، و يقمع المنكر الذي كرهه.

و لم يكن ما اقدم عليه و هو يواجه اعتي سلطة طاغوتية مستهترة هينا و لم يكن ما أراده نزهة يغادر فيها المدينة الي أماكن أخري يمضي فيها بعض الوقت ثم يعود و قد استجم و ارتاح.


ان مسيرته تلك، كانت المسيرة النهائية، و انها لتنتهي في مكان ستضمخه دماؤه و دماء اصحابه.

ان خليفة الله سيستشهد لتبقي خلافة الله علي الارض صافية صحيحة.

و ان الامام الذي كان يفترض من الامة ان تتجه اليه بقلوبها و ابصارها يموت لكي تظل تلك القلوب حية و الابصار سالمة.

انه يمضي الي الموت بعزم و ثبات، لكي ينقذها و ينتشلها من المصير المحزن الذي اعد لها في ظل اجهل و اعتي سلطة قيض لها ان تعيش في ظلها. و انه لامر محزن حقا ان لا يكون تصحيح المسيرة الا بذلك الدم الطاهر الذي اعد ليراق منذ اللحظة الاولي التي بدأ الانحراف و الجهل يأخذان طريقهما الي الامة المسلمة.

و من هنا كانت تلك المناجاة الحزينة مع الله عند قبر رسوله الحبيب صلي الله عليه و آله و سلم:

(اللهم ان هذا قبر نبيك محمد، و انا ابن بنت نبيك، و قد حضرني من الامر ما قد علمت، اللهم اني احب المعروف و انكر المنكر، و انا أسألك يا ذا الجلال و الاكرام بحق القبر و من فيه الا اخترت لي ما هو لك رضا و لرسولك رضا ( [3] .

و توجه بمناجاته بعد ذلك الي جده الرسول صلي الله عليه و آله و سلم:

(بأبي انت و أمي يا رسول الله، لقد خرجت من جوارك كرها، و فرق بيني و بينك و أخذت قهرا ان ابايع يزيد شارب الخمور و راكب الفجور، و ان فعلت كفرت، و ان أبيت قتلت، فها انا خارج من جوارك كرها، فعليك مني السلام يا رسول الله). [4] .

لم يكن القتل و ما سيلاقيه مع عائلته و اصحابه امرا هينا، و لم يكن فراقه مدينة جده صلي الله عليه و آله و سلم و موطن طفولته و شبابه مشردا بالذي يسر النفس، غير ان الاصعب منه كان مبايعة يزيد شارب الخمور و راكب الفجور خليفة و قائدا علي المسلمين، اذ ان ذلك كان يعني الكفر بنظر الامام و التخلي عن كل قيم و مبادي ء الاسلام.

و هكذا خرج من المدينة و قلبه عالق بها، و فارق جده صلي الله عليه و آله و سلم و امه و اخاه عليه السلام و ملاعب طفولته و حلقات العلم التي تخرج فيها علي يديه الاف المسلمين خائفا يترقب يدعو الله كما دعاه نبيه موسي ان ينجيه من القوم الظالمين، الذين تمردوا علي


الاسلام و جاءوا بدين جديد يعزز من قيم الجاهلية و الكفر، و ان ينقذ دين جده صلي الله عليه و آله و سلم من جاهليتهم و كفرهم.

و قد روي انه عليه السلام:

رأي جده صلي الله عليه و آله و سلم في المنام، و انه اخبره بما سيلحق به علي يد الطغاة الحاكمين، و انه سيلتقي به عما قريب و قد بشره بالشهادة. [5] .

لن يتاح بسهولة و يسر وصف حادث خروج الحسين عليه السلام من المدينة الي مكة في جماعة قليلة من أهل بيته و اصحابه و عياله، فقد كان هو رجل المدينة الاول و أمل المسلمين لوقف الانحراف، و اذا كان وقع الامر عليه شديدا فربما لم يكن عليهم امرا هينا يسيرا، و لعلهم ادركوا و ان كان بعد فوات الاوان انهم بتخليهم عنه قد تخلوا عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و عن الاسلام و قد دفعوا الثمن باهظا في واقعة الحرة التي استباحهم فيها جند يزيد و أذلوهم و ارتكبوا معهم اعمالا مشينة لا زالت تشكل لطخة سوداء في تاريخ الامويين، الذي كان كله لطخة سوداء في تاريخ المسلمين.

و قد وردت رواية اخري مفادها ان الحسين عليه السلام، لما دعي الي بيعة يزيد، خرج من ليلته الي مكة، ووردت رواية اخري ذكرت انه خرج في الثالث من شعبان، و ذكرت اخري انه وصل في الثالث من شعبان الي مكة.

و مهما يكن من امر فان من الثابت علي ضوء الروايات التاريخية بمجملها ان الحسين عليه السلام لم يطل المكث في المدينة اثر دعوته لمبايعة يزيد، و انه ابتعد عن السيف الاموي المسلط فوق رأسه فيها، لينفذ خطته لمناوئة الحكم المنحرف، و اعلان موقفه منه علي جماهير المسلمين، ليكونوا علي بينة منه، و ليتخذوا بدورهم قرارهم النهائي برفضه أو الاستجابة له.

لقد حثه كثيرون علي الاستسلام ليزيد و مبايعته، و كان منهم عبدالله بن عمر، بحجة عدم تفريق جماعة المسلمين و قد روي الطبري:

(ان عبدالله بن عمر لقي الحسين و ابن الزبير عند خروجهما من المدينة (من المعلوم انهما لم يخرجا سوية) و ربما كان ذلك قبيل و صولهما الي مكة فقال لهما: (اتقيا الله و لا تفرقا جماعة المسلمين). [6] .


و هي نفس الحجة القديمة الحديثة التي ينذرع بها من يتنازل في النهاية و يستسلم، و قد تنازل ابن عمر فعلا، بعد موقفه الرافض الاول، و تقدم الي الوليد بن عتبة فبايعه.


پاورقي

[1] الطبري 272 / 271 / 3.

[2] القصص: الآية 21.

[3] مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 186، و الفتوح 29 / 28 / 5.

[4] مقتل الحسين لابي مخنف ص 24.

[5] مقتل العوالم ص 54 عن (حياة الحسين للقرشي ص 260).

[6] الطبري: 272 / 3، و قد قدم ابن‏عمر المدينة، ثم تقدم الي الوليد بن عتبة فبايعه.