بازگشت

الامام الحسين يودع جده رسول الله


و قبل ان يغادر المدينة ودع الامام عليه السلام جده بعد ان زار قبره و قضي ليلة في المرقد الشريف متوجها الي الله تعالي بالعبادة، و كانت مناجاة حميمة بين الاب و ابنه، اذ ألم به رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في المنام، فشكي له عليه السلام حال امته و كيف انها قد ضعفت و تخلت عن دينها تحت وطأة استسلامها للجاهلية الجديدة و قد توجه الحسين عليه السلام الي الله كاشفا عن نفسه، و معلنا عن نواياه بمنازلة الظلم و مستجيبا له سبحانه استجابة تامة.

قائلا: (اللهم هذا قبر نبيك محمد، و انا ابن بنت نبيك، و قد حضرني من الأمر ما قد علمت. اللهم، اني احب المعروف و انكر المنكر. و انا اسألك يا ذاالجلال و الاكرام بحق القبر و من فيه، الا اخترت لي ما هو لك رضا و لرسولك رضا). [1] .

و كانت مواقف عاطفية مشهودة مع الحسين عليه السلام و أهل بيته، و بني عبد المطلب، اريد لها ان تذكر، ليذكر معها اصرار الحسين عليه السلام علي الشهادة رغم ما سيحل به من موت محقق علي يد السلطة الجائرة.

كان (الحل) الوحيد لتجنب موقف الحزن و البكاء، هو أن يعلن الحسين موافقته علي مبايعة يزيد، فيتجنب ما سوف يلقاه، ولكن هل كان ذلك (حلا) فعالا؟ ام انه كان اعلانا عن مأساة دائمة تضيع فيها الامة الي الابد، و اعلانا عن الام و دموع و قهر و حرمان ستظل تشهدها طيلة حياتها اذا ما اعلن خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الفعلي و الحقيقي استسلامه للخليفة المزيف، و ساومه علي حساب مصالح الامة و مستقبلها و حياتها؟

ان هذا ما اراد الامام عليه السلام من الناس ان تفهمه في المدينة، و في مكة بعد ذلك، و في كل مكان، انه ضحي من اجل أن يبقوا علي تماس و التقاء دائمين بالاسلام، انه لم ير له حجة بالالتقاء بيزيد و وضع يده في يده، و كان ذلك امرا مستحيلا، ان يتخلي خليفة الاسلام عن قيم الاسلام، علي ان الامر الجدير بالانتباه هو ان الحسين عليه السلام اراد الامة ان تدرك نواياه و اهدافه من رفض يزيد و الثورة عليه،


و ارادنا ان ننظر بنفس الوعي و نحمل نفس الرؤية التي جعلته يقف موقفه ذاك، لنقف مواقف مشابهة من كل ظلم و انحراف.

و حتي المواقف العاطفية أراد لها ان تستثمر استثمارا نبيلا، و ان يذكر معها نبل الهدف الذي اراده عليه السلام، من رفض يزيد منذ اللحظة الاولي لتسلمة الحكم. لقد تعرض الامام عليه السلام الي ضغوط و (نصائح) عديدة للاستسلام ليزيد و قبول مبايعته و التخلي عن موقفه السابق طيلة حياة معاوية، و نصائح اخري بعدم التوجه الي العراق، لانه لن يجد هناك الثبات و الصلابة عند العراقيين لتجعلهم يسيرون خلفه الي نهاية الشوط، و كانت اجوبته الرفيعة حاسمة، لا تدع فرصة امام احد لكي يجعله يطمع في ان يثنيه عن عزمه، فهو قد اتخذ قراره، و من يعرفه يعرف ان هذا القرار كان هو الصائب و الحكيم، غير ان ما لم يكن بمقدور الآخرين ان يفعلوه، فعله الحسين عليه السلام، و ان الشي ء الذي عجزت عنه الامة اقام به نفر محدود من أهل بيته و اصحابه، ساروا معه الشوط الي النهاية، و لم يثنهم عنه ما علموه من موت محقق سيلحق بهم ان هم واصلوا المسيرة.


پاورقي

[1] مقتل الحسين، الخوارزمي ط النجف الاشرف ج 1 ص 186 فصل 9.