بازگشت

وصية الامام الحسين نص تاريخي و أول اعلان للثورة


ان الكثيرين منا و قد اعتادوا سماع الكلمات الوعظية، يلقيها بعض الحاكمين، و ربما دبلجها لهم كتابهم المحترفون ربما ينظرون الي هذه الوصية نظرة سطحية غير متأملة فيأخذوها علي انها كلام عام يقال بامثال هذه المناسبات، غير اننا عندما نري ان الحسين عليه السلام صمم علي تنفيذ كل بنودها، و ان حياته بمجموعها كانت مصداقا لاقواله، و ان قراره المعلن بعدم الاستسلام و مبايعة يزيد انعكس بشكل واضح علي افعاله قبيل جلوس يزيد علي العرش و بعده، و انه استمر بفعل ارادي واضح، اراده ان يكون بمرأي و مسمع من الامة، دليلا علي موقفه الرافض المعلن رغم تعرضه الاكيد للموت.

ان قيمة الوصية تنبع من مصداقية الفعل الحاسم الذي قام به الحسين عليه السلام، و قد كانت كلمة واضحة توضع امام المسلمين لا في المدينة و حسب، و انما في كل اقطار الارض، لتعلن عن انصهار الموصي التام بالاسلام و اندماجه معه، و ان سبيل الحق الذي انتهجه ورآه واجبا علي كل الناس، لا يهمه اذا ما كان هو السالك الوحيد فيه.

و قد دللت اقواله علي ذلك طيلة الفترة التي خرج فيها من المدينة و حتي


استشهاده في كربلاء، و هي فترة حافلة بالاحداث مليئة بالترقب، وقد برز فيها حدث رفض الحسين عليه السلام و خروجه من المدينة الي مكة كأكبر حدث طغي حتي علي حدث وفاة معاوية و تنصيب يزيد، و قد اخذت الامة كلها، و قد اجتمعت نخبة من بنيها في مكة في موسم الحج، تراقب الموقف الرافض المتصاعد من الحسين لبيعة يزيد، و يثيرها الاقدام علي تلك الخطوة التي علمت ان الدم و القتل لابد ان يكون وراءها، و رأت فيها جرأة افتقدتها و عزما تخلت عنه منذ زمن بعيد.

ان نص وصية الامام الحسين عليه السلام لاخيه محمد بن الحنفية يمكن ان نفهم منه العديد من الامور، و يمكن اعتمادها كأول وثيقة تبين اسباب رفض يزيد، و الثورة علي حكمه، و ينبغي لدارس الثورة ان يدرسها بدقة باعتبارها الاعلان الاول لتلك الثورة المؤكدة، معان اعلانات اخري سبقتها في عهد معاوية و قبيل خروج الحسين عليه السلام من المدينة، ألا أن هذه الوصية تمثل البيان المكتوب الذي اعده الامام عليه السلام و أراد الامة ان تطلع عليه فيما بعد، و قد أعد في وقت كان الامام عليه السلام يستطيع فيه اتخاذ مختلف المواقف و منها موقف المساومة الذي رفضه منذ البداية، و ذلك يدحض المقولة الاموية بان موقفه كان مجرد رد فعل، و انه كان يتطلع للسلطة، و انه كان متأثرا بأهل العراق و كتبهم و دعوتهم اياه للحضور، فوصيته سبقت كتب اهل العراق، و كانت ردا علي الدعوة السريعة من قبل عامل يزيد لمبايعته فورا، فلابد اذا و كما أوضحت لنا الوقائع فعلا ان الامر قد حسم منذ زمن بعيد، و ان القرار النهائي برفض يزيد قد تم منذ اليوم الاول الذي فكر فيه معاوية بتنصيبه خليفة علي المسلمين من بعده.

كتب الحسين عليه السلام في وصيته التي اودعها لدي محمد بن الحنفية (رض):

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما اوصي به الحسين بن علي بن ابي طالب، ابي اخيه محمد المعروف بابن الحنفية:

ان الحسين يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له،

و ان محمدا عبده و رسوله، جاء بالحق من عنده،


و ان الجنة حق و النار حق و ان الساعة آتية لا ريب فيها، و ان الله يبعث من في القبور...

و اني لم أخرج أشرا و لا بطرا، و لا مفسدا و لا ظالما،

و انما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي محمد صلي الله عليه و آله و سلم،

أريد ان آمر بالمعروف و أنهي عن المنكر، و أسير بسيرة جدي محمد صلي الله عليه و آله و سلم و أبي علي بن ابي طالب، فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولي بالحق، و من رد علي هذا أصبر حتي يقضي الله بيني و بين القوم بالحق، و هو خير الحاكمين). [1] .

و هذه الوصية تشابه في كثير من بنودها وصية اميرالمؤمنين لولديه الحسن و الحسين عليه السلام قبيل و فاته اذ جاء فيها:(أوصيكما بتقوي الله و ان لا تبغيا الدنيا و ان بغتكما، و لا تأسفا علي شي ء زوي عنكما و قولا بالحق و اعملا للاجر و كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا، الله الله في الجهاد باموالكم و انفسكم و السنتكم في سبيل الله، لا تتركوا الامر بالمعروف و النهي عن المنكر فيولي عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم) ابن الاثير 257 / 3.

فكأنما هذه الوصية هي تلك نفسها، و من اجدر بحمل وصية أميرالمؤمنين عليه السلام و تنفيذها من وليه عليه السلام.

ان الموت الذي اقدم عليه كاتب الوصية هنا، الامام الحسين عليه السلام، بدار و كأنه امر محتوم، فالعمل الذي اقدم عليه، لم يكن يتوقع ان يقابل من الدولة المتجبرة بالغبطة و السرور، أو ان يكون مثار ارتياح حتي لا بسط منتفع و متملق لها.

ان تغيير النظام الذي عمل معاوية علي بنائه طيلة اكثر من ثلاثين عاما و الاطاحة بمصالح الطبقة الطفيلية المتنفذة و المواقفة خلف يزيد، لم يكن بالامر الذي ترضاه تلك الطبقة التي اتسعت بشكل غير معقول في اواخر عهد معاوية، و وجدت ان لها من الامتيازات و الجاه، ما يمكن ان ترفض معه حتي مبادي ء الاسلام العامة، فانها اذا ما وضعت امام مفترق طرق، تخير به بين الاسلام و مصالحها و الجاهلية التي تحقق لها بعض المصالح و الامتيازات، فانها ستلجأ الي رفض الاسلام علانية، و التخلي حتي


عن شعاراته و مبادئه المعلنة، اما فيما يتعلق بالحسين عليه السلام فهل نلمح خلف وصيته اثرا لطالب ملك، أو انسانا لا يري شيئا الا مصالحه، و لم تكن افعاله الا ردود فعل انعكاسية لاعمال الآخرين، أو شخصا خفيفا يستجيب للاغراءات و يخدع بسهولة، كما حاولت اجهزة الاعلام الاموي تصوير ذلك باسلوب مخطط مدروس و معد من قبل معاوية.

و هل ثمة ضرورة لا عادة القول بان الحسين عليه السلام يستجيب هنا استجابة واعية لوصايا جده صلي الله عليه و آله و سلم و ابيه عليه السلام؟ و انه كان بموقفه منسجما مع الاسلام و كان بحمله مبادئه كأنه يجسد صورة لاسلام حي متحرك؟

هل كان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، لا يمثل سوي اقوال ارادنا الاسلام ان نرددها دون وعي، و دون معرفة بمحتواها الحقيقي، و دون ان نفكر بالاخذ بها؟ ام انها كانت احدي المسائل الملحة التي وضعها الاسلام لكبح كل شذوذ و انحراف قد ينشأ في ظله، و ان تركها سيجعل المجتمع الاسلامي ينهار و يقع فريسة بيعد أبعد الناس عن الاسلام و اشهدهم عداوة له؟

و هل ان دعوة الحسين عليه السلام للسير علي منهج جده صلي الله عليه و آله و سلم و ابيه عليه السلام مما يعاب عليه، باعتبار ان سيرة جده صلي الله عليه و آله و سلم اصبحت امرا مثاليا لا يقوي عليه اي انسان، و أنها اصبحت اثرا من آثار الماضي البعيد، لا يمكن ان تتكرر أو تعاد كما اوحي بذلك معاوية ايضا، و قد رأينا ايحاءاته الشيطانية الخبيثة بهذا الخصوص.

لم يكن مع الحسين عليه السلام عند اعداد هذه الوصية الا نفر ضئيل من أهل بيته و اصحابه، و لم يكن أهل العراق قد دعوة بعد، و كان يعمل علي الخروج من المدينة للتخلص من بطش السلطة، و كانت القوة التي تواجهه و تعاديه قوة ضاربة كبيرة، و مع ذلك عزم بشكل حاسم ان يتصدي لمنع الانحراف و الوقوف بوجه يزيد و طغمته، فهل ان من يفعل ذلك طالب ملك أو زعامة أو مال؟ كان عليه السلام مصمما علي المضي الي نهاية الشوط حتي لو لم يبق معه احد و هذا ما توقعه مسبقا اذا لم يبق معه الا النفر القليل الذين خرج اغلبهم معه من المدينة، و قد عزم علي اكمال مهمته و الصبر عليها رغم عاقبة القتل المؤكدة التي كانت تلوح في الافق امامه، و التي اخبر عنها اخبارا اكيدا عن جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ابيه أميرالمؤمنين عليه السلام.

فهل كان عليه السلام يجهل ما علمه الآخرون عن اخبار رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم انه سيقتل في سبيل احياء الاسلام و اعادته قويا عزيزا كما كان من قبل؟



پاورقي

[1] المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 88 و مقتل العوالم للبحراني ص 54، و مقتل الحسين / الخوارزمي 189 / 188 / 1، و الفتوح 33 / 5.