بازگشت

نصائح ابن الحنفية للامام الحسين استعراض للأساليب فقط


فلم تشر حادثة واحدة، أو رواية تاريخية لدي اي واحد من المؤرخين المحايدين، و حتي اولئك المنحازين لآل امية، أو المعادين لآل البيت الي ان محمد بن الحنفيه كان يري ما لا يراه اخواه الحسنان عليه السلام، و انه خرج عن مشورتهما


و رأيهما و اوامر هما، بل انه كان يري ما يريان و كان مطيعا لهما اشد ما تكون طاعة المرء امامه و قائده و مرشده.

و في مسأله خروج الامام عليه السلام من المدينة، لم يكن رأي محمد بن الحنفية مخالفا لرأي الحسين عليه السلام و عزمه علي ذلك، و لم يلمح احد في النصيحة التي ابداها للامام عليه السلام الا بعض الاساليب و الخطط التي عرضها عليه لتجنب البطش الاموي، و لم يثنه عن الخروج،و تؤكد لنا هذه الوثيقة التي رواها لنا الطبري ذلك. قال محمد بن الحنفية للحسين عليه السلام قبيل خروجه من المدينة:

(يا أخي، أنت أحب الناس الي، و أعزهم علي، و لست أدخر النصيحة لأحد من الخلق احق بها منك، تنح بتبعتك عن يزيد بن معاوية، و عن الامصار ما استطعت، ثم ابعث برسلك الي الناس فادعهم الي نفسك، فان بايعوا لك حمدت الله علي ذلك و ان اجمع الناس علي غيرك لم ينقص الله بذلك دينك و لا عقلك، و لا يذهب به مروءتك و لا فضلك،اني اخاف ان تدخل مصرا من هذه الامصار، و تأتي جماعة من الناس فيختلفون بينهم، فمنهم طائفة معك، و أخري عليك، فيقتتلون فتكون لأول الاسنة، فاذا خير هذه الامة كلها نفسا و أبا و أما، اضيعها دما و اذلها اهلا).

و عندما اخبره الحسين عليه السلام انه ذاهب و ان لابد من خروجه قال:

(فانزل مكة، فان اطمأنت بك الدار فسبيل ذلك، و ان بنت بك لحقت بالرمال و شعف الجبال، و خرجت من بلد الي بلد حتي تنظر الي ما يصير امر الناس، و تعرف عند ذلك الرأي، فانك اصوب ما تكون رأيا و أحزمه عملا حين تستقبل الامور استقبالا، و لا تكون الامور عليك ابدا اشكل منها حين تستدبرها استدبارا.

و قد اجابه الحسين عليه السلام: (لقد نصحت فأشفقت، فأرجو ان يكون رأيك سديدا موفقا). [1] .

ان محمد بن الحنفية هنا يري رأي الحسين عليه السلام، و يري ان عليه اعلان دعوته


علي الناس فان استجابوا كان ذلك موجبا للشكر، و ان لم يستجيبوا فان الحسين قام بمهمته و واجبه، و ما كان ينبغي عليه القيام به، دون ان يخل ذلك بمروءته أو فضله، فهو سيظل ذلك الرمز الذي تحبه الامة و تحترمه الحاكم الجائر.

و لم تكن نصيحته هنا الا خطة حاول ان يجنب بها الامام عليه السلام مواجهة فعلية و سريعة مع السلطة القوية المسلحة العنيفة، و ليستثمر الوقت لعل الامة تثوب الي رشدها فتدرك معني رفضه مبايعة يزيد أو دعوته الي نفسه،و يكون ذلك فترة كافية لتعيد التفكير في امرها و امر استسلامها،فاذا استيقظت و ادركت عمق المأزق الذي وجدت نفسها فيه و ضرورة التخلص منه فهذا واجبها، و ان استمرت في خضوعها و خوفها و استسلامها، فان المدة التي اعطاها الامام لها كافية، لتدعه يقوم بواجبه و بما يراه لا يقاظها و جرها من مواقف الاستسلام و الهزيمة الي موقف الرفض و الثورة.

و قد وردت نصيحة محمد بن الحنفية بصيغة اخري، لا تختلف في مضمونها عن الصيغة السابقة، و كانت ورد في (مقتل ابي مخنف ص 23 - 22):

يا اخي انت اعز الناس علي و احبهم و اكرمهم لدي، و لست انصح احدا احب الي منك و لا احق بالنصيحة. فبحقي عليك الا ما ابعدت شخصك عن يزيد، و اياك و التعرض له دون ان تبعث دعاتك في الامصار يدعون الناس الي بيعتك، فان فعل الناس ذلك حمدت الله، و ان اجتمعوا الي غيرك فلم ينقص الله بذلك فضلك. و اني خائف عليك ان تأتي مصرا من هذه الامصار في جماعة من الناس، فيختلفون عليك فتكون بينهم صريعا فيذهب دمك هدرا فتنتهك حرمتك).

كان موقف الوداع مؤثرا، انفجر فيه ابن الحنفية باكيا مما سيلحق اخاه و امامه، الا ان الامام عليه السلام حاول ان يخفف عن اخيه، و اكد عزمه علي الخروج، شاكرا اياه علي نصيحته.

(جزاك الله خيرا. لقد نصحت و اشرت بالصواب و انا عازم علي الخروج الي


مكة،و قد تهيأت لذلك انا و اخوتي و بنو اخي و شيعتي، امرهم امري، و رأيهم رأيي و أما انت فلا عليك ان تقيم بالمدينة، فتكون لي عينا، لا تخف عني شيئا من امورهم...) [2] .

و قبل خروجه من المدينة، عهد الامام عليه السلام بوصيته الي اخيه محمد بن الحنفية شارحا فيها اسباب خروجه و ثورته علي يزيد، و الهدف الذي توخاه من ذلك. و هي وثيقة و اضحة تعلن عن التزام المبادي ء الاساسية التي اعلنها الاسلام، و تكاد علي قلة كلماتها تفصح بشكل واضح عن السبب الذي دعا الحسين عليه السلام لرفض يزيد و حكمه المنحرف منذ اللحظة الاولي التي سمع فيها باستلامه القيادة الفعلية للمسلمين، مدركا ان الامة ستقبل علي كارثة محتمة بعهده، لما عرف عنه من استهتار معلن بالاسلام و قيمه و مقدساته.

لقد رأي الامام عليه السلام ان يزيد لم يكن يثنيه قول أو نصيحة ليتراجع عن سلوكه البعيد عن الاسلام، و انه سيتمادي الي حد انكار الاسلام، و انه سيجد في غمرة السلطة الواسعة التي كان يتمتع بها، من يؤيده و يبرر له سلوكه، بل و يشيد بانحرافه و استهتاره.

فلم يكن من علاج لا يقاظ الامة و جلعها تتراجع و تنتبه الي واقعها المرير، الا القيام بفعل حاسم واضح معلن امام انظارها، و هو الفعل الذي قرر الامام عليه السلام اتخاذه.

ان وضوح وصيته يؤكد وضوح رؤيته للاسلام، كما يؤكد عمق انتمائه اليه، بحيث انه لم ير في حياته غاية سوي التمسك به، و هو ما ارده لكل الناس، ان لا يروا امامهم الا الله و الا الاسلام. والا قيمه و مبادءه.

وقد اعلن عزمه في هذه الوصية علي المضي الي نهاية الشوط في سبيل منع الانحراف حتي و ان لم يستجب له احد من الامة، فحالتها المرضية و طبيعة النظام التسلطي قد لا يتيحان لها الاستجابة التامة له، الا انها لابد ان تستيقظ في النهاية، و تستجيب بعد ان تدرك انها كانت علي خطأ، و انها كانت مخدرة و معطلة و مستسلمة لحاكمها. و هذا ما حصل فعلا، بعد ان اريق دم الثوار في كربلاء، بعد اشهر من كتابة


هذه الوصية، و بعد ان عرفت الامة كلها بخروج الحسين عليه السلام الي الكوفة للتصدي للنظام الجائر، و تخلت عن مسؤوليتها بمتابعته و الالتفاف حوله، ثم ادركت جسامة خطئها و تخليها المشين عنه، و حاولت تدارك ذلك بالتفكير جديا بأمر النظام الاموي المنحرف، و ما جره عليها من ويلات و مأسي ابسطها الابتعاد عن نهج الاسلام و مبادئه و قيمه الحقيقية، و ماجره ذلك من تمزيق لوحده الامة، و ايجاد نمط جديد من العلاقات الفرعونية، تري فيها القوي و الضعيف، و الغني و الفقير، و المتسلط و المستضعف، نمط اعتمد العلاقات الجاهلية القديمة لكي يفصل الاسلام عن الحياة فعلا.

ان تفكيرها فيما بعد جعلها تدرك صواب نهج الحسين عليه السلام، وان كانت قد علمت ذلك قبلا الا ان ذلك جعلها الآن تفكر بشكل اكثر جديدة لسلوك نفس سلوكه، و الثورة علي الظالمين واستئصالهم و ابعادهم عن حياتها و محيطها، تدل علي ذلك سلسلة الثورات و الانتفاضات بوجه الارهابيين الاموبين، و بوجوه الحكام الطغاة في كل وقت و علي امتداد الايام.


پاورقي

[1] الطبري 271 / 3 و ابن‏الاثير 379 / 3، و قد وردت نصيحة محمد بن الحنفية بصيغة اخري، لا تختلف في مضمونها عن الصيغة السابقة، و کانت وردت في (مقتل الحسين لابي‏مخنف الصادر عن مؤسسة الوفاء / لبنان ط 19922 ص 23 / 22): (يا أخي انت اعز الناس علي و احبهم و اکرمهم لدي، و لست انصح احدا احب الي منک و لا احق بالنصيحة، فبحقي عليک الا ما أبعدک شخک عن يزيد، و اياک و التعرض له دون ان تبعث رعاتک في الامصار يدعون الناس الي بيعتک، فان فعل الناس ذلک حمدت الله، و ان اجتمعوا الي غيرک فلم ينقص الله بذلک فضلک، و اني خائف عليک ان تاتي مصرا من هذه الامصار في جماعة من الناس، فيختلفون عليک فتکون بينهم صريعا فيذهب دمک هدرا فتنتهک حرمتک).

[2] حياة الامام الحسين، القرشي، 263 / 2، نقلا عن الفتوح 33 / 5، و ابن‏الاثير 379 / 3.