بازگشت

بين الحسين و مروان بن الحكم


اما مروان فقد حاول تحريض الوليد علي استبقاء الحسين عليه السلام و اجباره علي البيعة أو قتله، و قال له:

(و الله لئن فارقك الساعة و لم يبايع لا قدرت منه علي مثلها ابدا حتي تكثر القتلي بينكم و بينه. احبس الرجل و لا يخرج من عندك حتي يبايع أو تضرب عنقه). [1] .

و قد رد عليه الامام عليه السلام و أنبه قائلا:

(يا بن الزرقاء، انت تقتلني ام هو؛ كذبت و الله و أثمت). [2] .

و كان ذلك هو الجواب المناسب بتلك المناسبة، و نلمس منه عزم الحسين عليه السلام علي المضي بقراره الرافض ليزيد و تحديه لسلطته، و قد عبر عن رفضه ذاك بشكل اوضح، بعد ان لمس اقتناع الوليد و مروان بعزمه علي ذلك الرفض، و خاطب الوليد قائلا:

(انا اهل بيت النبوة، و معدن الرسالة، و مختلف الملائكة، و محل الرحمة. بنا فتح الله، و بنا ختم. و يزيد رجل فاسق، شارب خمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، و مثلي لا يبايع مثله.ولكن نصبح و تصبحون، و ننظر و تنظرون اينا احق بالخلافة و البيعة). [3] .


كان موقفه هذا واضحا، حتمته عليه مسؤولياته التاريخية، باعتباره القائد الوحيد المؤهل لانقاذ الامة من انحدارها و سقوطها ضحية بيد السلطة الاموية المنحرقة، و ليس من شك في ذلك الموقف الحاسم الذي وقفه الحسين عليه السلام من بيعة يزيد، اذن ان هذه الكلمات لم تكن هي وحدها التي عبرت عن تصميم الامام عليه السلام لرفض الانحراف، بل كان مجموع مواقفه في عهده معاوية، و بعد هلاكه يدل بشكل قاطع انه لم يكن يري سبيلا للالتقاء مع الانحراف الممثل بيزيد.

و قد احنق ذلك مروان، و قد رأي ان الحسين عليه السلام قد افلت من موت كاد ان يتحقق بعد ورود الاوامر الصارمة به من يزيد، و قال للوليد:

(عصيتني، لا و الله لا يمكنك من مثلها من نفسه ابدا، قال الوليد: و بخ غيرك يا مروان، انك اخترت لي التي فيها هلاك ديني، و الله ما احب ان لي ما طلعت عليه الشمس و غربت عنه من مال الدنيا و ملكها، و اني قتلت حسينا، سبحان الله؟ أقتل حسينا أن قال: لا أبايع؛ و الله اني لا أظن امرؤ يحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة. فقال له مروان: فاذا كان هذا رأيك فقد اصبت فيما صنعت، يقول هذا له و هو غير حامد له علي رأيه). [4] .

و يدل جواب الوليد لمروان ان الحسين عليه السلام قد اعلن عن رفضه مبايعة يزيد، و انه لم يطلب مهلة لمراجعة نفسه بهذا الشأن، و انه انما اراد كسب الوقت للتخلص من قبضة السلطة الجائرة و تحشيد الامة خلف قيادته التاريخية للقضاء علي الانحراف المعلن.

لم يمهل الحسين عليه السلام اذا، و أريد له ان يبايع يزيد حالا، و قبل ان يعود من المسجد الي بيته.

هل تري ان مروان قد عرف عن الحسين عليه السلام ما لم يعرفه هو عن نفسه؟

و هل كان الا واثقا من رفض الحسين عليه السلام مبايعة يزيد؟

و لماذا كان واثقا من ذلك؟

ببساطة لانه عرف من هو الحسين، و ماذا كانت توجهاته و كيف كان سلوكه و نهجه و تكفيره و نظرته الي الامور، و كيف كانت مواقفه السابقة من النظام الاموي.


و قد اراد مباغتته و مفاجأته و عدم اعطائه فرصة للتفكير و التدبر لان اهل المدينة سيجتمعون حوله و يجعلوه قطبا للمعارضة.

غير ان التصميم المسبق و العزم الاكيد علي رفض النظام الاموي المتمثل بيزيد جعل الحسين عليه السلام لا يفاجأ عندما يطلب منه ذلك، و كل ما فعله انه حاول كسب بعض الوقت للتخلص من هذا الطلب غير المقبول و تبعاته.

و قد جرت مشادة كلامية بينه عليه السلام و بين مروان صبيحة الليلة التي طلب منه فيها مبايعة يزيد و رفضه ذلك، عندما تقدم اليه مروان مدعيا نصحه، و طلب منه التخلي عن موقفه قائلا:

(اني أمرك ببيعة أميرالمؤمنين يزيد فانه خير لك في دينك و دنياك). [5] .

و قد رد عليه الامام الحسين عليه السلام قائلا:

(علي الاسلام السلام، اذا بليت الامة براع مثل يزيد. ويحك يا مروان أتأمرني بيعة يزيد، و هو رجل فاسد؟ لقد قلت شططا من القول... لا ألومك علي قولك، لانك اللعين الذي لعنك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و انت في صلب ابيك الحكم بن ابي العاص، اليك عني يا عدو الله فانا أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و الحق فينا، و بالحق تنطق السنتنا، و قد سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: الخلافة محرمة علي آل أبي سفيان و علي الطلقاء و أبناء الطلقاء، و قال: اذا رأيتم معاوية علي منبري فأبقروا بطنه، فوالله لقد رآه أهل المدينة علي منبر جدي فلم يفعلوا ما أمروا به).


پاورقي

[1] المصدر السابق.

[2] المصدر السابق.

[3] حياة الامام الحسين، باقر شريف القرشي عن (الفتوح 18 / 5) م 2 ص 255.

[4] الطبري 270 / 3 و ابن‏الاثير 378 / 3.

[5] حياة الامام الحسين، باقر شريف القرشي 258 / 257 / 2 نقلا عن الفتوح 34 / 5.