بازگشت

وجود الحسين يبلور الكوفة و المدينة كمر كزين لمعارضة الدولة الأموية


لقد كان الخوف من الحسين عليه السلام و اهل المدينة و اهل الكوفة هو الهم و الهاجس الاول الذي كان يقض مضجعه، ربما حتي قبيل توليه خلافه والده، و ها هو الآن يقف دون معاوية لمواجهة الموقف وحده، و مواجهة كل المخاطر و المشاكل المحتملة، و من هنا كان كتابه الذي تضمن اوامره القاطعة بضرورة اخد البيعة من الحسين عليه السلام و اهل المدينة دون تردد، حال وصول كتابه بوفاة والده الي والي المدينة، فهو في كتابه هذا و في كل الصيغ التي وردت فيه لا يضع خيارا أمام الممتنعين عن البيعة و لا يدع امامهم اي مجال للرفض أو التردد، بل ان امره كان سريعا و حاسما.

و هنا نتساءل: ماذا كان أمام الحسين عليه السلام ان يفعل امام اصرار يزيد علي مبايعته حالا دون تردد أو تأخير؟ هل سيظل في المدينة معرضا نفسه لبطش السلطة


القوية المتسلحة و نقمتها؟ ام يغادرها الي مكان اكثر امنا ريثما يستعد لا تخاذ القرار النهائي الذي عليه ان يتخذه، و ربما كان قد اتخذه فعلا؟

فيزيد لا يريد الا مبايعته. و هو لا يريد الا رفض هذه البيعة.

ان المسألة كلها تكمن في هذه النقطة الحساسة و الدقيقة و هي: رفض الامام الحسين عليه السلام مبايعة يزيد تحت اي ظرف و في اي وقت. و هو امر ينبغي الالتفات اليه بجدية منذ البداية، و قبل القيام بدراسة هذه الثورة و تقويم اسبابها و نتائجها و آثارها.

ان رفضه مبايعة يزيد كان رفضا لكل القيم و التشريعات و المواصفات الاموية الطارئة علي السالم. و كان يعني انحيازا تاما لهذا الدين و قيمه و تشريعاته التي نزل بها القرآن الكريم، و عمل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم علي ارسائها و تبيتها كقيم دائمية مطلقة للدولة الاسلامية التي لم يرد لها ان تنتهي أو تضمحل أو تتغير لاي سبب من الاسباب، و مهما كانت المبررات، و مهما يكن مركز الاشخاص الذين يريدون ذلك.

غير ان الذي حصل فعلا ان الكثير منها قد تبدل فعلا، و حلت محله قيم جديدة مبتكرة كرست لتثبيت عرش طاغوتي فرعوني جديد يستمد قيمه الاساسية من الخبرات المتراكمة للانظمة الفرعونية السابقة، مثل تلك التي تتعلق (وفق مفهوم تلك الانظمة) بحسن السياسة و ادارة الملك و غير ذلك.

و اذا ما كان هناك دين سائد (مثل الاسلام) فان هذا الدين ينبغي ان يسخر لخدمة هذه الدولة و سلطانها، و ما علي (المعنيين) بدلك (و هم وعاظ السلطان و فقهاؤه و وزراؤه و حاشيته)، الا ان يتموا هذه المهمة، و يروضوا الامة علي قبولها. و هذا ما حصل فعلا. و لم يكن الدين الا احد اسلحة النظام الاموي التي رفعت بوجه المؤمنين بالاسلام.

و هذا هو الامر الخطير الذي ولد حالة الارتباك الخطيرة في المفاهيم و القيم و الممارسات الاسلامية، و الذي عمل علي تمزيق وحدة المسلمين و تشتيت شملهم و الذي لا نزال نعاني من نتائجه الي يومنا هذا.

و لم يكن امتناع الحسين عليه السلام عن مبايعة يزيد، و قبول الصيغة الاموية للحكم و الحياة ناشئا عن طموح خاص لاستلام الحكم و خلافة المسلمين، رغم ان ذلك كان


حقا مشروعا له، و رغم انه كان المؤهل الوحيد لذلك فعلا، فهو ما كان ليغفل عن تذكر وصية ابيه اميرالمؤمنين عليه السلام حينما قال له و لأخيه الحسن عليه السلام قبيل وفاته:

(و لا تبغيا الدنيا و ان بغتكما، و لا تبكيا علي شي ء زوي عنكما و قولا الحق). [1] .

لم يغفل الحسين عليه السلام عن قوة التيار الاموي و استمالته معظم الناس و اخضاعهم بشتي السبل، و لم ينس كره قريش له ولآله، و لم يخف عليه تلاعب التيارات و الاحزاب الاخري و اطماعها و مساعيها لابعاد الامر عنهم نهائيا، و لم يكن ليتباكي علي هذا الامر الذي زوي عنه، كما لم يبك عليه اخوه عليه السلام من قبل، و لم يبك عليه أميرالمؤمنين عليه السلام قبلهما، انه لم يكن ممن يبغي الدنيا، و قد لا حظنا طرفا من سيرته بالتي اكدت لنا ذلك.

لكنه الحق الذي أوصاه به أبوه، و هو الذي كرس له جده صلي الله عليه و آله و سلم و ابوه عليه السلام حياتهما، فلم تأخذهما فيه لومة لائم، أو مقالة عدو أو حاقد، و الحق دائما مع الاسلام، و مع استقامته و مع حدوده و مع شريعته، مع الاسلام كله، لا مع جزء منه و حسب.

و لو اننا سمعنا بحياة الامام الحسين عليه السلام و سيرته قبل الثورة، لما رأينا نظرته الي الاسلام الا و كانت تري الاسلام وحده و لا شي ء سواه.

و هنا: ما العمل، و هو لا يريد ان يبايع أو يقر هذا النظام الجائر الذي اعلن انحرافه علي رؤوس الاشهاد. و كان ذلك مستحيلا عليه استحالة نهائية و السيف الاموي مشرع فوق رأسه، يطالبه بالبيعة حالا دون تأخير؟ و كانت اوامر يزيد مشددة و حاسمة بهذا الشأن، اللجوء الي الشدة و ضرب الاعناق و لا شي ء دون ذلك.


پاورقي

[1] ابن الاثير 357/3.