بازگشت

مراسيم الدفن و لحظات التنصيب نصوص و أحداث


و لم تكن ليزيد تلك الحصافة و الدهاء و المرونة التي تمتع بها والده لتجعله يسكت عن اولئك الذين رفضوه و لم يبايعوه و في مقدمتهم الامام الحسين عليه السلام فها هو الآن (خليفة) فعلا، يبسط سلطانه علي ارض الواقع، و ما علي اولئك الذين ماطلوا و ابوا بيعة في السابق، الا ان يفعلوا ذلك الآن و علي الفور، لان وجوده اصبح مفروغا منه، و ان معركتهم ليست مع خليفته كما كان الحال ايام معاوية، و انما معه هو شخصيا، و الا فالسيف بينه و بينهم.

(و لم يكن ليزيد همة حين ولي الا بيعة النفر الذين أبوا علي معاوية الاجابة الي بيعة يزيد حين دعا الناس الي بيعته، و انه ولي عهده بعده، و الفراغ من امرهم). [1] .

و حتي مراسيم دفن معاوية لم يحضرها يزيد و كان بحوارين يلهو و يعبث، رغم ان حال ابيه عند ذاك لم تكن علي ما يرام، فهو لم يمت ميتة مفاجئة، و كانت حاله الصحية تتدهور باستمرار، و ربما لم ير ان يعكر جو المرح و السرور الذي كان يعيشه يزيد باستدعائه الي جواره ليحضر ايامه الاخيرة، فربما و جد في موت ابيه عبرة له فتراجع عما ألف من المعاصي و الموبقات، و ربما كان ذلك الاب يأمل بمزيد من السنوات الاخري تضاف الي حياته المديدة و لم يصدق انه كان قاب قوسين من الموت.

و علي اية حال، لقد كفي يزيد لحظات الازعاج التي تصاحب الموت و مراسيم الدفن و الوداع، و وجد حتي هذه المهمة قد انجزت. و لم يجد سوي العرش الممهد و الرقاب الممدودة بالولاء و الطاعة، و اناء الذهب و فراش الحرير، و ما ما تسربه عينه و يفرح به قلبه، و لم يكن بكاؤه علي ابيه ذلك البكاء الذي يمكن ان تشم منه رائحة الحزن الحقيقي.

و قد رويت عنه ابيات من الشعر قيل انه قالها عند ما كتبوا اليه يحثونه علي المجي ء ليدركه، و لعله لم يمتثل للدعوات التي وجهت اليه قبل ذلك لحضور موت أبيه.


و لعله كما يدل البيت الاخير من القصيدة لم يقلها الا عندما تأكد من موت ابيه و سمع صراخ اخته رملة حزنا عليه:



(جاء البريد بقرطاس يخب به

فأوجس القلب من قرطاسه فزعا



قلنا: لك الويل ماذا في كتابكم؟

قالوا: الخليفة امسي مثبتا وجعا



فمادت الارض أو كادت تميد بنا

كأن أغبر من اركانها انقطعا



من لا تزل نفسه توفي علي شرف

توشك مقاليد تلك النفس ان تقعا



لما انتهينا و باب الدار منصفق

و صوت رملة ريع القلب فانصدعا) [2] .



و قد القي خطبة في أهل الشام، ذكرنا بعض مقاطعها، تؤكد علي الفلسفة الاموية التي تبنت فكرة الجبر و نسبة الخير و الشر كليهما لله، و ان ليس للانسان ان يعارض في (المشيئة الالهية) التي ارادت ان يكون هو خليفة المسلمين و ولي امرهم.

و قد جاء فيها:

(الحمدلله الذي ما شاء صنع، و من شاء اعطي و من شاء منع، و من شاء خفض و من شاء رفع. ان اميرالمؤمنين كان حبلا من حبال الله، مده ما شاء ان يمده، ثم قطعه حين اراد ان يقطعه، و كان دون من قبله و خيرا مما يأتي بعده، و لا ازكيه عند ربه و قد صار اليه، فان يعف عنه فبرحمته، و ان يعاقبه فبذنبه، و قد وليت بعده الامر، و لست اعتذر من جهل، و لا اني علي طلب علم، و علي رسلكم اذا كره الله شيئا غيره، و اذا احب الله شيئا يسره). [3] .

و لا شك ان خلافته مما احب الله لانه يسرها و جعل الجميع يرضون بها سوي نفر قليل.

و قد تعرضنا الي هذا النمط من الكلام المعد المدروس، و لعله موضوع مسبقا من معاوية نفسه أو من تلاميذ (و اعين) من تلاميذه، أخذوا عن مدرسته و تفقهوا في منهجه، و لعل يزيد كان احد هؤلاء التلاميذ النجباء.



پاورقي

[1] المصدر السابق 269، 3، و ابن‏الاثير 377،3.

[2] الطبري: 263 / 3، و ابن‏الاثير: 371 / 3 (و لعل الابيات کلها موضوعة علي لسانه، اريد منها اثبات امکاناته الادبيه و الفلسفية، و قد روي الشافعي ان بعض ابيات القصيدة مسروقة من الاعشي.

[3] العقد الفريد، 177 / 4.