بازگشت

معناة الائمة الثلاثة (علي و الحسن و الحسين) في مواجهة الجاهلية الاموية


ان محاولات الامويين الدؤوبة لطمس و تشويه و عرقلة النظرية الاسلامية في كل مجالات الحياة، و منها مجال الحكم التي أرسي دعائمها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و قيامهم باختراع (احاديث) موضوعة علي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و استغلال بوادر انحراف سابقة كأساس بديل كان الهدف منها الخروج بالمجتمع الاسلامي كله عن قيم الاسلام و مواضعاته و اطروحاته الي قيم جاهلية مبتكرة حديثة، استثمرت كل خبرات الجاهليات القديمة لا في الجزيرة العربية و انما في اماكن اخري، كجاهلية الرومان و الفرس، مع ان الجاهلية الاموية اعطيت غطاء اسلاميا لتبرير شرعيتها امام المسلمين، اذ ان منهج الحكم و قوانينه قامت علي رغبات و هوي نزعات السلطان الاموي المطلق، الذي كان يري فيصبح رأيه قانونا، و يتمني فتصبح أمنيته حقيقة واقعة قائمة، علي ان اكثر ما الحقه الامويون من تخريب هو محاولاتهم الدؤوبة لانتزاع القدسية التي تمتع بها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و آله في نفوس المسلمين، و ابراز الرسول صلي الله عليه و آله و سلم انسانا خطاء قد ينطلق من هوي شخصي بحت (كذلك الحديث الذي روي بحق معاوية و اريد به تبرير لعن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم له و لا مثاله، حينما جعلوا من ذلك الحديث رحمة لمعاوية و منفذا لا دخاله الجنة)، كما ان مجال تخريبهم امتد لتشويه صورة آل البيت، و هم آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الذين انزلت فيهم آيات محكمة تشيد بفضلهم و احاديث قدسية لا شك فيها، و ابرازهم كبؤرة للنزاعات و الخصومات و الفتن.

و لم يقتصر (نجاح) معاوية خاصة في مهمته هذه علي عصره، و انما امتد تأثيره الي ايمامنا هذه، فكان الدين الذي جاء به معاوية هو الدين الحق، لا دين محمد بن عبدالله صلي الله عليه و آله و سلم، و كأن القيم و الاعراف و التشريعات التي وضعها هي القيم و التشريعات العملية القابلة لتطبيق لا قيم الاسلام و تشريعاته الحقيقية.

لماذا غاب عن فطنة الدارسين لمعاوية، و الامويين من بعده، سعي هؤلاء لبسط سلطانهم و نفوذهم بشتي الاساليب، و لماذا و جدوا في تلك الاساليب الشاذة قاعدة صحيحة للحكم و الحياة.

اتري ان الدارسين قارنوا فترة الحكم الاموي بما يشهدونه الآن، فرأوا انه كان اصلح مما يشهدون؟ و هل ان ما نشهده الآن هو القاعدة و الاساس و انه سابق لتلك الفترة؟ ام ان قياسنا الوحيد هو السلام؟


و لا يحسبن احد ان مهمة أميرالمؤمنين عليه السلام كانت مهمة سهلة لكشف اساليب التضليل الاموي و الاعيب معاوية، و لا يحسبن احد ان مهمة الحسنين عليه السلام من بعده كانت منذ بدايتها مهمة غير محفوفة بالمخاطر.

ان مقارعة معاوية بالسيف من قبل الحسن عليه السلام و الحسين عليه السلام من بعده، و هو يمتلك ما يمتلك من قوة، تتيح له اذا ما خاض الحرب معهما ان يجدد نفس ادعاءاته القديمة، و يضيف اليها ادعاءات و اكاذيب اخري في غياب أميرالمؤمنين عليه السلام، و تتيح له ان يستميل اعدادا كبيرة من الامة الي جانبه بشتي الاساليب التي سبق و ان لجأ اليها في وجوده عليه السلام. و سيعمل اذا ما انتصر في بعض المواقع الحربية التي سيخوضها معهم الي حرب ابادة شاملة لآل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و اتباع الاسلام الحقيقيين، لا يكتفي معها بمجرد الحرب الاعلامية و الكلامية التي شنها بعد الصلح و حسب، و انما الي استئصال حقيقي لهم، مبررا ذلك بمزيد من الالاعيب و الاكاذيب، و سيجد الي جانبه من يؤيده في مسعاه ذاك.

لذلك فان ترك الساحة له و جعله يتسلم مقاليد سلطة الخلافة، يجعله امام محك حقيقي و يكشفه علي واقعه امام الامة.

اذ ما حجته بعد سقوط الحجة الاولي و هي المطالبة بدم عثمان لا غير، بانتهاكه حدود السلام و قيامه بانحرافات و اضحة عنه امام انظار الأمة كلها، و ما الضرورات التي الجأته الي القيام بما قام به بعد ذلك من خروقات واضحة للاسلام.

و هل ان استخلاف يزيد علي المسلمين كان جزءا متمما لمهمة الثأر لعثمان؟ ام ان تلك الورقة قد اصبحت قديمة و لا داع لذكرها؟

لقد انتبه العديدون لحيلة معاوية في المطالبة بدم عثمان، ولكن فوات الاوان. و كان منهم مروان الذي احتج بشدة علي استخلاف يزيد، و منهم سعيد بن عثمان الذي هاله ما فعل معاوية، و كان يظنه مطالبا بدم عثمان حقا، و انه نال ما نال بفضل تلك المطالبة، و انه استنادا لذلك لابد ان يعيد (الحق الي اهله)، و من اهله سوي سعيد هذا نفسه، لذلك فانه اقبل علي معاوية يعاتبه علي ما فعل و يطالب بالخلافة لنفسه، علي اساس من منطق معاوية، وقال له:

(علام جعلت ولدك يزيد ولي عهدك، فوالله لأبي خير من ابيه،و امي خير من امه، و انا خير من، و قد وليناك فما عزلناك، و بنا نلت ما نلت).


و قد اجابه معاوية باحدي اجوبته المغالطة التي اشتهر بها قائلا:

(اما قولك ان اباك خير من ابيه فقد صدقت، لعمر الله ان عثمان لخير مني، و اما قولك: ان امك خير من امه، فحسب المرأة ان تكون في بيت قومها، و ان يرضاها بعلها و ينجب ولدها؛ و اما قولك انك خير من يزيد، فوالله ما يسرني ان لي بيزيد مل ء الغوطة ذهبا مثلك. و اما قولك: انكم وليتموني فما عزلتموني فما وليتموني انما و لاني من هو خير منكم، عمر بن الخطاب فأقررتموني، و ما كنت بئس الوالي لكم. لقد قمت بثاركم، و قتلت قتلة ابيكم، و جعلت الامر فيكم، و اغنيت فقيركم، و رفعت الوضيع منكم. و كلمه يزيد فارضاه، و جعله واليا علي خراسان). [1] .

لقد كانت مهمة كشف معاوية و تعريته امام الامة، بل و امام اقرب المقربين اليه مهمة عسيرة، كانت تحتاج الي مهارة كبيرة و دقة و اضحة في العمل، فمعاوية ليس من السذاجة كيزيد، حتي يلجأ الي الاساليب المباشرة، دون ان يجد المبررات (القوية) التي تدعم اعماله و تجاوزاته، و ما كانت تصرفاته تتصف بذلك الخرق الذي اتسمت به تصرفات يزيد بعد ذلك، و قد كان شيطانا حقا كما و صفه أميرالمؤمنين عليه السلام، و كان يتصف بعبقرية الشر و الالتواء و الظلمة و الحيلة الي درجة لا يري معها للاسلام اي موقع في حياته.

فكان لابد من فعل حاسم لوضعه بمواجهة الامة، امام ما ادعي انه ممثله حقا و هو الخلافة، فهل كان معاوية يمتلك النوايا الحقيقة للقيام بمهامها و لو علي النمط الذي أدارها به عثمان الذي واجه اعتراضات عديدة من الامة؟ ام انه ارادها سلما لتنفيذ مخططاته و الاعيبه؟ لقد كانت مواجهة معاوية تمثل عملا انتحاريا يتيح له الفرصة و بشكل نهائي لعمل ما يريد. ولكنه حين ينفرد بمقاليد الامور، و تختفي الظروف الاستثنائية الطارئة التي عمل ما عمل بحجتها، فكيف سيواجه معاوية الامة اذا ما عمد الي اي من انتهاكاته؟

و هكذا حرم معاوية من فرصة النزال (السهل) الذي كان يتمناه مع الحسن و الحسين عليه السلام، و قد فوتاعليه تلك الفرصة، و طلبا منه مادام قد ادعي خلافة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ان يسير بسيرته.


فهل فعل ذلك حقا، ام انه عمد الي مقولات مضحكة دكرنا قسما منها، مدعيا ان لا احد يقدر علي سيرة عمر أو ابي بكر، أو حتي عثمان، و انه هو نفسه سيكون افضل ممن سيجي ء بعده، و سيظل العد التنازلي لسيرة (الخلفاء) من بعده علي ذلك المنوال، و كأنه هو الامر الطبيعي الذي يمهد له، و كأنه بذلك بعد الامة لقبول يزيد علي علاته مع انه فاسق، و يوجد بين ابناء الامة من هم افضل منه بكثير، و قد روج لمقولاته تلك حتي اصبحت قانونا مدعما باحاديث مزورة علي لسان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم تجيز امامة الفاسق و المفضول و انعقاد البيعة ولو بواحد فقط.

لقد كان موقف الامام الحسين عليه السلام من عملية الصلح، التي كان شريكا فيها مع أخيه الحسن عليه السلام و لم يكن كما زعمه بعض المؤرخين من المخالفين لأخيه عليه السلام، اعلانا للامة لكي تنتبه بحذر الي ذلك الحاكم الذي انتزع الحق من اهله و انفرد بالسلطة، لتري الي اي حد قد بلغ في خروجه عن الاسلام بعد ان كبدها خسائر كبيرة، و جر عليها ويلات الحروب و التفرقة، لقد اراد عليه السلام من الامة ان تكتشف هي زيف الاطروحات الاموية الكاذبة، و عندها ربما تخلت عن موقفها المتراخي و السلبي تجاه ما يحصل امامها.

لقد فعل الحسين عليه السلام ما بوسعه، أيام معاوية لكي يلفت نظر الامة من جديد الي قيم الاسلام الكبيرة العليا، و يعيدها من جديد الي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فكانت حلقة العلم التي يديرها بمسجد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و سيره الي مكة ماشيا، و اجتماعه مع صحابة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و تذكيرة اياهم بمنزلة أميرالمؤمنين و آل البيت عليهم السلام من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و الاسلام، و سلوكه الشخصي، و شخوصه كأحد رموز الاسلام كمثال حي له، و معارضته بيعة يزيد، و تصديه للعديد من احكام معاوية و اعماله، تمثل بعض جوانب الاعمال التي قام بها للكشف عن الاسلام الحقيقي و حفظه من الاندثار و التحريف، و الكشف عن الوجه الاموي الذي اراد سلب كل مكاسب المسلمين، و جعلها غنيمة باردة بيد يزيد.

ان دراسة حياة الحسين عليه السلام و فهمها، و عدم اقتطاع سيرته خلال معركة الطف وحدها، كفيلة بالكشف عن المزيد من دوافع الثورة الكبيرة التي قام بها ضد الحكم الاموي و كل حكم جائر بعده، كما انها كفيلة بابراز العديد من نقاط الالتقاء مع سلوك ابيه أميرالمؤمنين عليه السلام و اخيه الحسن عليه السلام، و تري الباحثين بشكل واضح


توحد السلوك و الاهداف و الفعاليات في حياة الائمة الثلاثة عليهم السلام، و تطابقها مع سلوك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي اساس من قيم الاسلام الثابتة و القوية.


پاورقي

[1] ابن‏خلکان، و فيات الاعيان 390/ 389، 5.