بازگشت

مصادر التاريخ تورد أسباب تافهة


لقد ذكرت روايات عن هيام يزيد با مرأتين متزوجتين، هما ارينب بنت اسحاق زوجة عبد الله بن سلام، والي معاوية علي العراق، و ام خالد زوجة عدي بن حاتم، و ذلك في مناسبتين مختلفتين، و ان معاوية سعي لتطليقهما من زوجيهما بحيلة من حيلة البارعة،بامل تزويجهما من يزيد و ان الحسين عليه السلام فوت عليه فرصة ذلك و ارجع المرأتين الي زوجيهما، كان ذلك مبعثا لزيادة حقد يزيد علي السحين، مع ان عوامل هذا الحقد لم تكن تنقصه باي حال من الاحوال. و مهما يكن من امر هذه الروايات، فان موقف الاريحية الذي وقفه الحسين من الزوجين المخدوعين كان جديرا به، و كان جديرا بيزيد موقفه الشهواني الذي يجعله يتطلع الي زوجات الآخرين، فيريد سلبهن من ازواجهن.

لعل هاتين القضيتين ظهرتا و اشتهرتا لأهيمة أشخاص المشتركين في حوادثهما، و لعل عشرات القصص الأخري التي لم تكشف لنا عن زوجات سلبهن يزيد من أزواجهن... فذهب تفاصيلها و لم ترولنا، و عتم عليها الاعلام الأموي في سعي منه لتحسين صورة يزيد في أذهان الأمة.

ان يزيدا الذي عاش فترة طفولته و شبابه المبكر مع والدته و أخواله بني كلب النصاري، و الذي ربي في أحضانهم، لم يتحرج حتي و هو يعود الي أحضان أبيه المتسامح في مسائل الاسلام و قيمه، من اعلام سلوكه و عدم التكتم علي أي جانب منه، و اشهار استهتاره علي رؤوس الاشهاد، حتي و لو كان أولئك الأشهاد هم الأمة كلها.

و لعل هذا يفسر كثرة المستشارين النصاري في بلاط يزيد، و تقريبه لشعراء نصاري مثل الاخطل و غيره ممن تمادوا في عبثهم الي هجاء الانصار، كما يفسر اقدامه علي ان يعهد بتربية ابنه الي مرب منهم).

و لم يكن ذلك هو وحده الذي جعل يزيد يكن الحقد علي آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم،


و انما طبيعة الصراع امر الذي انتهت نتيجته لصالح معاوية، و حرب المصالح التي خاضها ضد الاسلام و ضد أميرالمؤمنين عليه السلام، و وجد فيها معاوية مصيره المحتوم، اما ملك عريض أو اندحار و اندثار أبديين، جعلت يزيد يقاتل بنفس الضراوة التي قاتل بها معاوية، خصوصا و انه يجد مقومات عديدة (للنصر) و الغلبة بين يديه، و فرها له أبوه معاوية في كفاحه المرير طوال أكثر من عشرين عاما.

و قد رويت قصة أخري، ظهر فيها أبوعبدالله عليه السلام رافضا للاقتراب من معاوية و ابنه حتي بالقدر الذي يعزز القرابة و النسب، مدركا أن يزيد ليس ممن يشرف الانسان القريب منه.

و لعله أدرك أن يزيد لم يكن يريد القرب من آل أبي طالب و مصاهرتهم الا لغرض سياسي رآه أبوه معاوية، سيكون وسيلة لرفع نفسه أمام جماهير المسلمين، و قد فوت الحسين عليه السلام عليه هذه الفرصة. فقد روي:

(ان معاوية كتب الي مروان بن الحكم و هو والي المدينة: اما بعد فان أميرالمؤمنين احب ان يرد الالفة و يسل السخيمة و يصل الرحم، فاذا وصل اليك كتابي فاخطب الي عبدالله بن جعفر ابنته ام كلثوم، علي يزيد بن أميرالمؤمنين و ارغب له في الصداق. فوجه مروان الي عبدالله بن جعفر فقرأ عليه كتاب معاوية، و أعلمه بما في رد الالفة من صلاح ذات البين و اجتماع الدعوة. فقال عبدالله: ان خالها الحسين بينبع، و ليس ممن يفتات عليه بأمر، فانظر اني الي ان يقدم. و كانت امها زينب بنت علي بن ابي طالب صلوات الله عليه. فلما قدم الحسين، ذكر ذلك له عبدالله بن جعفر، فقام من عنده فدخل الي الجارية، فقال: يا بنية ان ابن عمك القاسم بن محمد بن جعفر بن ابي طالب احق بك، و لعلك ترغبين في كثرة الصداق، و قد نحلتك البغيبغات. فلما حضر القوم للاملاك (أي التزوج و عقد النكاح) تكلم مروان بن الحكم، فذكر معاوية و ما قصده من صلة الرحم و جمع الكلمة، فتكلم الحسين فزوجها من القاسم). [1] .


و قد اثار ذلك الحادث حنق مروان، و لا بدانه قد اثار ايضا حنق معاوية و يزيد علي الحسين عليه السلام.

و لا نريد ان نتصدي هنا للبحث في موقف مروان من الحسين بعد ان تطرقنا الي مواقفه الحادة المعادية لاميرالمؤمنين عليه السلام و الحسن عليه السلام، و هي مواقف اسهبت كتب التواريخ و السير في الحديث عنها و عن تطرف مروان في ذلك العداء المشهور.

و لعل مواقفه التحريضية ضد الحسين عليه السلام سواء في عهد معاوية أو يزيد، دلت علي ما حمله من حقد علي آل البيت عليهم السلام، كما انه، و هذا ما لم يخف علي معاوية، ربما اراد تحميل معاوية أو يزيد مسؤولية الاقدام علي قتل الحسين عليه السلام لتشويه صورتيهما بنظر المسلمين اذا ما اقدما علي ذلك العمل الشائن، لتتاح له فرصة البروز و الظهور كخليفة لمعاوية. و لا شك ان امر الاسلام و وحدة المسلمين كان آخر ما يفكر فيه، و لعل الامر الوحيد الذي فكر فيه هو مصالحه الخاصة.

لم تكن هناك و لو نقطة لقاء واحدة بين الحسين عليه السلام و معاوية، و قد كان رافضا للحكم الاموي و مقدماته التي مهدت لعهد آخر و راثي يبدأ بيزيد، اذ لم تكن اعمال معاوية و نتائجها المحتملة بخافية عليه، لذلك كانت مواقفه المبدئية الصلبة لا يقاف التخريب الاموي ضد الاسلام.

و في مقابل الروايات التي زعمت ان الحسين عليه السلام استلم بعض هدايا معاوية، و انه وفد عليه و التي لم يذكرها الا رواة معينون، محسوبون علي الدولة الاموية و من الموالين لها، نجد ان السمة البارزة عند استعراض تاريخ الحسين خلال عهد معاوية، ان الحسين عليه السلام كان حريصا علي كشف مخططات معاوية و الاعيبه، و ان لم يكن متساهلا مع ذلك النظام الغريب الذي سيطر علي مقدرات الامة، حتي ان ذلك استفز معاوية و جعله يحاول تصوير الحسين عليه السلام كانسان مندفع منطلق تحت تأثير حقد شخصي أو أطماع خاصة، و هذا ما لم ينجح فيه رغم قوة اجزهته الاعلامية، و كثرة المتجرين بالرواية و الحديث و القصص.



پاورقي

[1] الکامل في الادب المبرد، ج 3 ص 115، و کان أميرالمؤمنين عليه‏السلام قد حفر عين ابي‏ينزر و البغيبغة و تصدق بالضيعتين اللتين سميتا باسمهما و تصدق بهما علي فقراء أهل المدينة و ابن‏السبيل (ليتقي الله بهما وجهه حر النار يوم القيامة لا تباعا و لا توهبا حتي يرثهما الله و هو خير الوارثين، الا ان يحتاج اليهما الحسن أو الحسين فهما طلق لهما (اي حلال لهما) و ليس لاحد غيرهما. قال محمد بن هشام: فرکب الحسين رضي الله عنه دين، فحمل معاوية بعين ابي‏ينزر مائتي الف دينار، فابي ان يبيع، و قال انما تصدق بها ابي ليقي الله بها وجهه حر النار، و لست بائعها بشي‏ء) نفس المصدر ص 114.