بازگشت

الحملة الأموية لارهاب البصرة و الكوفة


و قد نصب زياد بن أبيه علي الكوفة و البصرة كليهما فقام باكبر حملة ارهابية

لتصفية معارضي النظام وفي مقدمتهم حجر بن عدي و اصحابه، و قتلهم صبرا، و هي أول بادرة من نوعها تحدث في الاسلام، و قد أصاب هذا الحادث المجتمع الاسلامي


في العراق بحالة من الاحباط و الهلع و قد رأوا التصرف الكيفي بارواح الناس و مقدراتهم من قبل الطغمة الحاكمة، و كان [اول ذل دخل الكوفة موت الحسن بنعلي و قتل حجر بن عدي و دعوة زياد] [1] . لقد

كانت انتهاكات معاوية للاسلام علنية تمت دون حياء أو وجل، و كان جديرا به ان يقوم بالمزيد منها لو وضع امام ظروف يري فيها ان مصالحه تتعرض للخطر، و كانت افعاله تنطلق من حرصه علي مصالح البيت الاموي و حسب، لا علي مصلحة الامة كلها كما حاول هو ان يوهمها، و لم ينخدع به اناس من أهل العلم كما انخدع به عن قصد ربما بعض (العلماء) امثال ابن خلدون و ابن العربي و ابن حجر، فلماذا كان الحسن البصري و احمد بن حنبل و غيرهم يتبنون مواقف حادة ضد معاوية؟ و مع ذلك فان شهاداتهم تهمل و تنسي، لأن مصالح النماذج المكررة من معاوية و يزيد، و التي يعمل هؤلاء في ظلها و تحت اشرافها لا يروق لهم ان يمس قدوتهم في السياسة و توطيد الملك. قال الحسن البصري: (اربع خصال كن في معاوية، لو لم تكن فيه الا واحدة لكانت موبقة، انتزاؤه علي هذه الامة بالسيف حتي اخذ الامر من غير مشورة و فيهم بقايا الصحابة و ذوو الفضيلة، و استخلافه بعده ابنه سكيرا خميرا يلبس الحرير و يضرب بالطنابير، و ادعاؤه زيادا و قد قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم «الولد للفراش و للعاهر الحجر» و قتله حجرا و اصحاب حجر فيا ويلا له من حجر، و يا ويلا له من حجر و اصحاب حجر» [2] .

ان معاوية، و قد رأي انه نفسه قد استطاع الوصول الي مركز الخلافة، رغم انه قد يكون آخر المؤهلين له؛ رأي ايضا انه يستطيع ان يأتي بيزيد، أو حتي بابنه الآخر عبدالله ليتولي هذا المنصب، و ما عليه لتنفيذ مشروعه هذا سوي ان يظل بعيدا عن الدين الذي ما اقترب منه في يوم من الايام، و لا آمن به، بل ان محصلة اعماله كانت حربا شعواء عليه، مكشوفة أو مستورة، حربا مستمرة لا هوادة فيها عمل فيها. علي جعل الدين في زوايا مهملة، و فصله عن الحياة العملية للمسلمين، و كان بذلك قد جرد الدولة الاسلامية من اسلامها، و جعل الحاكم (الاسلامي) يتصرف علي اساس مصالحه و نظراته الحياتية البحتة، وارسي بذلك مبدأ راق للعديد من الحكام من بعده


و هو فصل الدين عن الدولة، لأن ذلك يتيح لهم التصرف بحرية اوسع بعيدا عن رقابة الامة و عن منهج الاسلام في السياسة و الحكم و الحياة. ان ما رأيناه واضحا في سياق هذه الاحداث، هو عمل معاوية الدؤوب لاخراج مسرحية استخلاف يزيد بشكل يجعل الامة كلها تستجيب له و تقبله كأمر وحيد محتمل، فقد صور الامر منذ البداية و كأنه رغبة الامة، لا رغبة معاوية الشخصية، و انه لم يفعله الا نزولا علي هذه الرغبة التي اجمعت عليها الامة، بل و ألحت عليها. و عندما يحضر في مجلس للرأي يضم أهل الحل و العقد؛ اناس معهم سيوفهم يهددون من يجرؤ علي المخالفة، و عندما يكون معاوية قد لوح بنقوده و بذلها مسبقا لاولئك الحاضرين و لوح بسيفه لغيرهم، فان صوت المعارضة مقضي عليه ان يضعف منذ البداية، و عندها سوف تتسرب تفاصيل تلك الجلسات، و ربما بايعاز من معاوية نفسه، فلابد و ان بعضها قد عقد في اماكن عامة، في مساجد كبيرة أو في احد قصور معاوية العديدة، و متي ما علمت الامة ما حصل في مجلس الخاصة ذاك، و بعد ما علمت ان أهل الشام المتحيزين لمعاوية و آله في الأصل قد بتوا في الامر، و ان لا فائدة من الاعتراض، فانها ربما رأت أو اريد لها ان تري استعراضا للقوة من قبل معاوية و مناصريه و مؤيديه و حزبه يلوح به ذلك ( المقاتل القديم) الذي صمد لأميرالمؤمنين و الحسن عليه السلام، و الذي لا يزال يبدي استعداده لمنازلة أي منافس آخر بعد ان توفرت لديه اسباب جديدة للقوة و البأس. و قد رأت الامة كيف عمد معاوية الي اخراس و اسكات اصوات معارضيه و اعدائه، و الوسائل التي استعملها، و هي لم تكن وسائل مشروعة أو شريفة بأي حال من الاحوال. ان الطاعة مضمونة، كما ان من يريد نصيحة معاوية يعلم انه ما كان ليتخلي عن عزمه و مشاريعه و خططه بمجرد ازجاء النصائح، التي لابد ان معاوية لا يجهل مضامينها، و ربما كان هو قادرا علي ازجاء الكثير منها بأساليب و عظية ارشادية، و لكن هل العبرة بالكلام، أو بالأخذ به و السير بموجبه؟ و هل هزت معاوية نصائح أميرالمؤمنين عليه السلام قبلا حتي يهتز لنصائح غيره.؟ ماذا تملك الامة امام هذا الرجل المستبد الذي تلاعب بالاسلام و أول القرآن، انه يجد لكل شي ء مخرجا و حلا من كتاب الله، قال له رجل اجبر علي البيعة ليزيد:


(اللهم اني اعوذ بك من شر معاوية، فقال له معاوية: تعوذ من شر نفسك فانها اشر عليك و بايع، قال: اني ابايع و انا كاره للبيعة، قال له معاوية: بايع ايها الرجل فان الله يقول: (فعسي أن تكرهوا شيئا و يجعلالله فيه خيرا كثيرا) [3] .

انه يحرف القرآن و يأتي بآية (مناسبة) مقابل كل قول أو فعل أو تصرف، و لعله يحفظ بعض القرآن ليستثمر موارده و مصادره في محاججاته و نقاشاته و حواراته المشهورة التي يسلك فيها طرقا ملتوية متعرجة، و التي قد تكون الغلبة له فيها في بعض الاحيان، ان امر النقاش والحوار و التفاهم بسيط مع اولئك المستقيمين الذين يفهمون لغة واحدة و منطقا واحدا و تصورا واحدا، اما مع اولئك المشوشين المضطربين الذين يسلكون أوعر الطرق و اوحشها، و مع المغالطين والمحرفين والكذابين والذين لا يرون امامهم الا مصالحهم و اهواءهم، فانه امر صعب للغاية، فانك غالبا ما تجد نفسك امام لغات و مناورات و الغاز عديدة و متشعبة، لا يلجأ اليها الا اصحاب العقول المعوجة المنحرفة. و هكذا قال أميرالمؤمنين عليه السلام عندما قيل له ان معاوية ذو دهاء كبير: (و الله ما معاوية بأدهي مني، و لكنه يغدر و يفجر، و لولا كراهية الغدر لكنت من ادهي الناس، و لكن لكل غدرة فجرة و لكل فجرة كفرة، و لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة، و الله ما استغفل بالمكيدة، و لا استغمزبالشديدة) [4] .

اننا نلاحظ كثرة استعمال معاوية آيات القرآن في غير مواضعها، و كأنها بضاعة يتصرف فيها و يتلقي جزاءها ملكا و طاعة و اموالا و جاها. و بهذا الخصوص كتب أميرالمؤمنين عليه السلام الي ابن عباس يحذره من المخاصمة بالقرآن: (لا نخاصمهم بالقرآن، فان القرآن حمال وجوه، تقول و يقولون، و لكن حاججهمبالسنة فانهم لن يجدوا عنها محيصا). [5] .



پاورقي

[1] الطبري 233 / 3.

[2] ابن‏الاثير 337 / 3، و الطبري 3 /232.

[3] العقد الفريد 112 / 5.

[4] نهج‏البلاغة 651 / 459.

[5] نهج‏البلاغة 651 / 459.