بازگشت

المنهج الذرائعي الأموي في تبرير البيعة المهزأة


ان التبريرات التي يسوقها الموالون و المنحازون الي معاوية و النظام الاموي برمته لا يمكن ان تقنع مسلما اعتقد بالاسلام حقا و انه المنهج الوحيد الكامل الذي


يمكن ان تسير حياة الناس علي اساسه كله دون بتر أو تشويه أو تحريف لاحد اركانه أو مبادثه، فهل اعتنقنا الاسلام لننظر نظرة معاوية و يزيد اليه و نلغي نظرة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أو نحرفها أو نحورها لتنسجم مع النظرة الاموية؟

ان الاسلام هو الاسلام، سواء في عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أو معاوية أو الآن، و مهما اردنا ايجاد مبررات للخروج عليه مشابهة لتلك التي يخلقها الذرائعيون و اشباههم فان ذلك لن يتاح لنا في ظل دين لم يخرجه احد الينا و انما انزله الله لنلتزم و نتقيد به و لا نحيد عنه،

و الا فهل المنطق الذي يخاطبنا به ابن العربي و ابن خلدون و اشباههما هو منطق الاسلام؟

و هل يزيد هو حقا القائد البديل لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و الذي يمكن ان يقود الامة كلها و يسير بها نحو حياة افضل؟

لنستمع ثانية الي ابن خلدون، فكأننا نستمع لكاتب أو مؤرخ يسير في ركاب دولة وثنية أو مملكة جاهلية لم تعرف الاسلام اصلا و لم تجعله أو تدعي جعله اساسا لوجودها أو كيانها: (ثم اقتضت طبيعة الملك الانفراد بالمجد و استئثار الواحد به. و لم يكن لمعاوية ان يدفع عن نفسه و قومه فهو امر ساقته العصبية بطبيعتها و استشعرته بنوامية و من لم يكن علي طريقة معاوية في اقتفاء الحق من اتباعهم فاعصوصبوا عليه و استماتوا دونه و لو حملهم معاوية علي غير تلك الطريقة و خالفهم في الانفراد بالامر لوقعوا في افتراق الكلمة التي كان جمعها و تأليفها اهم عليه من امر ليس وراءه كبير مخالفة.

... و كذلك عهد معاوية الي يزيد خوفا من افتراق الكلمة بما كانت بنوامية لم يرضوا تسليم الامر الي من سواهم فلو قد عهده الي غيره اختلفوا عليه، مع ان ظنهم به كان صالحا و لا يرتاب احد في ذلك و لا يظن بمعاوية غيره، فلم يكن ليعهد اليه و هو يعتقد ما كان عليه من الفسق، حاشا الله لمعاوية من ذلك. و كذلك كان مروان بن الحكم و ابنه و ان كانوا ملوكا لم يكن مذهبهم في الملك مذهب أهل البطالة و البغي انما كانوا متحرين لمقاصد الحق جهدهم الا في ضرورة تحملهم علي بعضها، مثل خشية افتراق الكلمة الذي هون اهم لديهم من كل مقصد. و ما حدث في يزيد من الفسق ايام خلافته، فاياك ان تظن بمعاوية رضي الله عنه أنه علم ذلك (أي الفسق) من يزيد،


فانه أعدل من ذلك و افضل، بل كان يعذله ايام حياته في سماع الغناء و ينهاه عنه و هل اقل من ذلك، و لما حدث في يزيد ما حدث من الفسق اختلف الصحابة حينئذ في شأنه فمنهم من رأي الخروج عليه و نقض بيعته كما فعل الحسين، و منهم من اباه لما فيه من اثارة الفتنة و كثرة القتل مع العجز عن الوفاء به، لان شوكة يزيد يومئذ هي عصابة بني امية و جمهور أهل الحل و العقد من قريش. و لا يتهم الامام في هذا الامر و ان عهد الي ابيه أو ابنه لانه مأمون علي النظر لهم ني حياته، فأولي ان يحتمل فيها تبعة بعد مماته خلافا لمن قال باتهامه في الولد و الوالد و لمن خصص التهمة بالولد دون الوالد فانه بعيد عن الظنة في ذلك كله لا سيما اذا كانت هناك داعية تدعو اليه من ايثار مصلحة أو توقع مفسدة فتنتفي الظنة في ذلك رأسا كما وقع في عهد معاوية لابنه يزيد و ان كان فعل معاوية مع وفاق الناس له حجة في الباب...،

و الذي دعا معاوية لايثار ابنه يزيد بالعهد دون من سواه انما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس و اتفاق اهوائهم باتفاق أهل الحل و العقد عليه حينئذ من بني امية اذ بنوا أمية لا يرضون سواهم و هم عصابة قريش و اهل الملة اجمع و اهل الغلب منهم فأثره بذلك دون غيره، و ممن يظن انه اولي بها، و عدل عن الفاضل الي المفضول حرصا علي الاتفاق و اجتماع الاهواء الذي شأنهم اهم عند الشارع و ان كان لا يظن بمعاوية غير هذا، فعدالته و صحبته مانعة من سوي ذلك و حضور اكابر الصحابة لذلك و سكوتهم عنه دليل علي انتفاء الريب فيه فليسوا ممن يأخذهم في الحق هوادة و ليس معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق فانهم كلهم اجل من ذلك و عدالتهم مانعة...] [1] .

ان السبب الذي دعا معاوية لتنصيب يزيد خليفة علي المسلمين بنظر ابن خلدون، يتمثل بالامور التالية، و نسوق هنا تعابيره نفسها:

1- اقتضاء طبيعة الملك الانفراد بالمجد و استئثار الواحد به.

2- كان معاوية مجبرا علي الاستجابة لقومه و لم يكن قادرا علي منعهم و مخالفتهم في الانفراد بالامر، لا سيما و ان بني امية كانوا هم أهل الحل و العقد و لا يرضون سواهم.


3- عهد معاوية الي يزيد خوفا من افتراق الكلمة.

4- لم يكن ليعهد اليه و هو يعتقد ما كان عليه من الفسق، و ما حدث في يزيد من الفسق انما كان ايام خلافته أي بعد وفاة معاوية.

5- كان يعذله ايام حياته في سماع الغناء و ينهاه عنه.

6- لما كان معاوية مأمونا علي النظر للمسلمين ايام حياته فأولي ان يحتمل فيها تبعة بعد مماته، و هو بعيد عن الظنة لا سيما اذا كانت هناك داعية.

تدعو اليه من ايثار مصلحة أو توقع مفسدة.

7- عهد معاوية الي يزيد دون سواه مراعاة للمصلحة في اجتماع الناس و اتفاق اهوائهم.

8- عدل معاوية الي المفضول (يزيد) حرصا علي الاتفاق واجتماع الاهواء.

9- سكوت الصحابة عن معاوية دليل علي انتفاء الريب فيه.

10- سبب البيعة التزام معاوية بالحق.

ان ابن خلدون هنا لا يناقش المسألة من منظور اسلامي بحت و من خلال منطق الاسلام، و انما يناقشها بمنطق معاوية و العائلة الاموية، و الا فهل نتحدث نحن هنا عن طبيعة الملك و استئثار الملك بالمجد ام نتحدث عن خلافة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و الاستعداد للأخذ بمنهجه و اعتماد سيرته و سنته و اعتماد كتاب الله.

فاذا ما كنا نتحدث عن ملك يتعصب له قومه و لا يريدون انتقال السلطة منه باعتبار ان زمام الامور اصبحت بايديهم و اصبحوا هم أهل الحل و العقد، فلنترك الحديث نهائيا عن الاسلام و عن حرص (الخليفة) علي الاسلام و لنكشف القناع عن وجهه و لنقل ان شعوره بامتلاك كل شي ء لا يتيح له فرصة لا تفكير بمنهج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و سنته و بقوانين الاسلام، فالحديث هنا حديث آخر، و الا كيف يصح لعاقل ان يعتقد ان معاوية الداهية الماكر كان مسيرا من قبل قومه أهل الحل و العقد و مجبرا علي بيعة يزيد، و لو انه اراد غير ذلك لما عدم عشرات الوسائل يسكت بها قومه و يرضيهم، فوسائله فاقت وسائل الشيطان و دروبه في الشر و الخديعة جعلت كثيرين من الناس ينخدعون به و بأساليبه التي ما كان لعقل بشري نظيف ان يلجأ اليها و يلجها، فلماذا الدفاع عن معاوية الي هذا الحد و اظهاره كحمل وديع لا يهمه الا ارضاء الناس والاستجابة لرغباتهم لا اخضاعهم لرغباته.


لقد رأينا اصراره و استماتته لأخذ البيعة ليزيد في الجولة الاولي من الحملة، و سنري كي انه سيركز جهوده فيما تبقي له من العمر لا تمامها و اعداد العرش و تمهيده ليزيد ليجلس عليه دون معارضة أو نقد.

لقد تحدي معاوية الامة كلها و اصر علي استخلاف يزيد رغم علمه بشذوذه و انحرافه و عدم شعوره يالمسؤولية.

كيف كان يزيد سيجمع شمل الامة و يحافظ علي وحدتها، و كيف بدت بوادر ذلك منه الي الحد الدي خاف فيه ابوه من افتراق الكلمة و اجتماع الناس ان لم يرشحه لمنصب الخلافة...؟ هل من عاقل رشيد يقبل يتبني هذا الرأي؟ و ما هي نغمة العدول الي المفضول و ترك الأفضل و جوازها..؟

هل انيطت بالمفضول جر عربة أو نقل سلعة ليعدل اليه و يترك من يمكن ان يقوم بها خيرا منه ام ان المسألة تتعلق بمصير الامة كلها؟

و ما هي المسافة هنا بين الافضل و المفضول؟ هل هو مجرد فرق بسيط في السلوك و الأخلاق، أم انه فرق شاسع بين انسان متحلل من كل قيد اخلاقي و سلوكي و آخر اخلاقه اخلاق رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و سلوكه سلوكه صلي الله عليه و آله و سلم؟

كيف اباحت الامة لنفسها ترك الافضل و قبول هذا (المفضول) المسخ؟ و هل كانت تخوض لعبة تجري في ملعب أو سيرك و ترفه عن نفسها و حسب؟ ام انها كانت تنظر بتخاذل و خضوع الي من يلعب بمقدارتها و تستهزي ء بها و لا يحسب لها أي حساب؟

و كيف يمكن ان نوفق بين قولي ابن خلدون من ان معاوية ما كان ليعهد الي يزيد و هو يعتقد ما كان عليه من الفسق ثم كان يعذله ايام حياته في سماع الغناء و ينهاه عنه؟ كيف يعذله و ينهاه و هو يجهل حاله؟

و هل كان فسق يزيد مقصورا علي الغناء فقط؟ و ماذا عن ادمانه الخمرة و قضائه كل اوقات حياته لاهيا عابثا..؟ لماذا غض ابن خلدون النظر عنه؟ ألأن ذلك سيجرنا للحديث عن والده و نقده؟ و هذا ما لا يجوز لانه من اصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و اصحاب رسول الله كلهم كالنجوم الزاهرة بايهم اقتدينا اهتدينا، و انهم كلهم سواء في عدالتهم. و انه صلي الله عليه و آله و سلم قال فيه احاديث لم يقلها حتي عن نفسه صلي الله عليه و آله و سلم أو عن آله الطاهرين عليهم السلام.


الم يكن معاوية نفسه يميل لسماع الغناء و يمنح المغنين عطايا جزيلة و هبات طائلة..؟ بل لقد شجع يزيد نفسه علي بذل هذه الاموال.. فقد (استمع معاوية علي يزيد ذات ليلة، فسمع من عنده غناء اعجبه، فلما اصبح قال ليزيد: من كان ملهيك البارحة؟ فقال له يزيد ذاك سائب خائر، قال : اذا فأخثر له من العطاء (أي اكثر صلته و جائزته) [2] .

و رويت قصص مماثلة لهذه: (جلس فيها معاوية مع المغنين و المغنيات، و كان كمد رجليه فيضرب بهما وجه السرير، و قد لفت عمرو بن العاص نطره الي ذلك، و لعله فعل ذلك بدافعالنكاية به، و قد اجابه معاوية بقوله: اسكت لا ابا لك فان كل كريم طروب) [3] .

و حتي يزيد نفسه رأي ان الامر برمته لم يكن سوي مهزلة اعد والده فصولها و كتب حوارها، و قد خاطب والده قائلا: (في يوم بويع له علي عهده، فجعل الناس يمدحونه و يقرظونه: يا أميرالمؤمنين و الله ما ندري، أنخدع الناس ام يخدعوننا، فقال له معاوية: كل من اردت خديعته فتخادع لك حتي تبلغ منه حاجتك فقد خدعته) [4] .

كان يزيد رغم لا مبالاته يدرك طبيعة الخطباء المادحين الذين اشادوا به و بمؤهلاته التي لا وجود لها حتي بمخيلاتهم المريضة، و من اعرف بيزيد من يزيد نفسه و من أبي يزيد؟ فلماذا يرهق نفسه من لم يصله عن يزيد الا ما وصلنا نحن للحديث عن المؤهلات الاستثنائية التي كان يتمتع بها و جعلت والده يري ان يجعله خليفة رغم وجود من هو افضل منه بين المسلمين، و كأن الذين هم افضل منه كانوا يعدون بالاصابع و كأن ابناء الامة كلها لم يكونوا افضل منه؟ و كأن هناك وجها للمقارنة بينه ويين من يفضلونه من آل النبي صلي الله عليه و آله و سلم. لقد عرف معاوية مع من يتعامل، و علم انه هو نفسه قد اوصلها الي حالة من


الانحدار و السقوط اصبحت معها ترضي حتي بيزيد خليفة، و ان اضمرت خلاف ما اعلنت بحضوره في حفلات الخطابة لترشيحه لولاية العهد، و دوافع السقوط والخضوع عديدة، و كانت سياسته و تخويفه للناس و بطشه بقوي المعارضة الحقيقية و جعل اموال الدولة الاسلامية بيده هو يتصرف بها كيف يشاء بعض تلك الاساليب التي لجأ اليها لبسط نفوذه و تمرير مخططاته و مشاريعه، و مع علمه بكل ذلك، فانه رأي ان حالة القبول الظاهرية لحكمه و حكم ولده من بعده و ان كان وراءها رفض غير معلن، فانها ستظل هي الحالة السائدة الحية و ستموت المعارضة في النفوس بمرور الزمن، لذلك فانه يقبل بمجرد التصريح بقبول سياسته و توليته يزيد، و ما عدا ذلك فانه يتناساه مادام لا يخرج الي فعل حقيقي و معارضة مسلحة. و قد صرح في المدينة المنورة بعد ان تم الامر له، و تزعم قيادة المسلمين قائلا بكل وضوح: (فاني و الله ما وليت امركم، حين توليته، و أنا أعلم انكم لا ترضون بولايتي و لا تحبونها، و اني لعالم بما في نفوسكم من ذلك، و لكني خالستكم بسيفي هذا مخالسة، و الله لا احمل السيف علي من لا سيف معه). [5] .

و قال ايضا:(اني لا أحول بين الناس و السنتهم، ما لم يحولوا بيننا و بين ملكنا) [6] .

و ما عسي الصحابة ان يفعلوا لمن تصدي لاميرالمؤمنين عليه السلام بالسيف، و استأصل اتباعه و السائرين علي طريقه، و عمد الي اختراع صحابة ملفقين و تزوير احاديث عن لسان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و قام بحملة واسعة لقطع الالسن بالسيف و الدينار علي السواء، ثم هل كانوا قد أقروا هذه البيعة و دعوا لها، ام سكتوا علي م و هم يعرفون من هو معاوية و ما يمكن ان يفعله لمن يهدد عرشه و سلطانه و نفوذه.؟ ثم ما هذه النغمة عن التزام معاوية بالحق كبقية صحابة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ و لعل المهزلة الحقة هي نسبة معاوية الي صحبة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ائتمانه علي كتابة الوحي و اختلاق بعض الاحاديث بحقه.


ان ادراك بطلان ذلك لا يحتاج الي ذكاء كبير، متي ما تحرر العقل من سلطان المغرضين و الحاقدين علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و آله و علي الاسلام كله، و متي ما تعاملنا مع وقائع التاريخ و سلوك صناعه علي اساس التصور الاسلامي الصحيح الذي يجعل من الاسلام هو الاساس، و لا يجعل منه شيئا مهملا مركونا علي الرفوف و في الزوايا. و الا فكيف يقبل احد ان يقوم يزيد بوظيفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و يؤديها علي الوجه الذي يرفضه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، هل كان ذلك هو التسلسل الطبيعي و المنطقي للاحداث، و هل كان يزيد هو الوريث الحقيقي المؤهل لحمل هذه الرسالة و قيادة الأمة علي طريقها؟ هل من احد يستطيع اثبات ذلك و تفسيره و تبريره و اقناع المسلمين به..؟ جميع المسلمين في كل زمان و مكان، لا الذين عاشوا في ظل معاوية و تحت سيفه وسوطه و (امواله).


پاورقي

[1] مقدمة ابن‏خلدون 234 - 233 - 323 - 228 - 227.

[2] الکامل فيالادب للمبرد 186 / 2.

[3] الکامل في الادب للمبرد 186 / 2.

[4] المصدر السابق 87 / 2.

[5] ابن‏کثير 132 / 8.

[6] الطبري 268 / 3.