بازگشت

تمهيد معاوية لبيعة يزيد


تحسين صورته، خطوة علي طريق الاف ميل

و الامر الثاني الذي رواه المورخون هو قيام معاوية بالتمهيد لبيعة يزيد من خلال تحسين صورته في انظار الامة.


(و كان معاوية قد كتب الي عماله بتقريظ يزيد و وصفه و ان يوفدوا اليه الوفود، فكان فيمن أتاه محمد بن عمرو بن حزم من المدينة، و الاحنف بن قيس في وفد من أهل البصرة، فقال محمد بن عمرو لمعاوية «ان كل راع مسؤول عن رعيته، فانظر من تولي امة محمد، فأخذ معاوية بهر حتي جعل يتنفس في يوم شات ثم وصله و صرفه. و امر الاحنف ان يدخل علي يزيد فدخل فلما خرج من عنده قال له: كيف رأيت ابن أخيك؟ قال: رأيت شابا و نشاطا و جلدا و مزاحا) [1] .

و توحي هذه الرواية بان محمد بن عمرو قد وضع فكرة استخلاف يزيد في ذهن معاوية..، كما انها توحي بانه يحمله فيها المسؤولية الكاملة باعتباره راعيا لهذه الامة و وضعه امام مفترق طرق، اما ان يعود عن رأيه أو يستمر الي النهاية، و في ذلك ما فيه كما يعرف معاوية من انحدار نهائي نحو الهاوية ربما لن تفيق الامة أو تسلم منه الي الابد، حتي اخذه بهر فجعل يتنفس في يوم شات، اما جواب الاحنف فكان عائما لا يدل علي أي معني، اذ ان ما ذكره من مؤهلات ليزيد امام معاوية لم تكن الا مؤهلات شاب عانث بطال، لا رجل معد لتولي قيادة الامة كلها.

و بالتأكيد فان معاوية لم يكن بحاجة الي من يحسن صورة يزيد في عينيه، و انما كان بحاجة الي من يحسن صورته امام ابصار الامة، فكان يحث كل من يراه مؤثرا مسموع الكلمة علي مدح يزيد و اطرائه ليكون مقبولا من الامة كقائد و خليفة منتظر.

و قد رويت القصة بصيغة اخري، دلت علي ان ابن حزم رغم محاولته مدح معاوية لم يكن يحبذ تولية يزيد، فقال له:

(يا أميرالمؤمنين، ما اصبح اليوم علي الارض احد هو احب الي رشدا من نفسك سوي نفسي، و ان يزيدا اصبح غنيا في المال، وسطا في الحسب، و ان الله سائل كل راع عن رعيته، فاتق الله و انطر من تولي امة محمد، فأخذ معاوية بهر حتي تنفس الصعداء في يوم شات، ثم قال: يا محمد انك امرؤ ناصح قلت برأيك، و لم يكن عليك الا ذاك، قال معاوية: انه لم يبق الا ابني و ابناؤهم، فابني احب الي من ابنائهم، اخرج عني). [2] .


ان قول معاوية الأخير يدل علي اصراره علي المضي بخطته الي النهاية، فليس من الهين عليه ان يتنازل لأولاد منافسيه القدامي و من وضع نفسه معهم علي قدم المساواة، بما حصل عليه بالقوة و بذل من اجله جهودا هائلة، هل من المعقول ان معاوية كان يري اولاد غيره افضل من ولده؟ انه علي الاقل احب اليه منهم، و هذه وحدها مزية ينفرد بها يزيد.

و قد قال هو نفسه كما ذكرنا لولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي، أو لأبصرت قصدي، فمعاوية كان اعمي بحب ولده، و لم يكن يستطع التخلص من القيود التي تجعله ينحاز اليه بشكل تام حتي و ان كان هو يزيد المنحرف الذي عرفته الامة كلها، و عرفه هو قبلها.


پاورقي

[1] ابن‏الاثير 352 / 3.

[2] العقد الفريد 118 / 5.