بازگشت

مؤهلات يزيد لمنصب الخلافة


لم يكن يزدي يتمتع بأية كفاءة تتيح له اشغال المنصب الحساس الذي استولي عليه والده و اراد الاستئثار به لنفسه و ذريته من بعده، و هو منصب الخلافة، و لم يكن معاوية رغم سيطرته علي المسلمين و اخضاعهم ليجرؤ علي طرح مشروعه الذي يجعل يزيد خليفة له، و قد حاول التمهيد لذلك بسلسة من الاقاصيص التي حاول الايحاء بها للامة انه لم يكن بصاحب فكرة تولية يزيد، و انه عندما وافق علي ذلك انما كان يستجيب لرجاء الامة و التماسها بأن ينصبه (خليفة) من بعده، و ربما كان يحسب بذلك حساب الفشل المتوقع لهذه الفكرة، غير انه في النهاية (نجح) بمشروعه الذي كرس له بقية حياته لاكثر من سبع سنين، فهو عندما اغتصب الخلافة و سعي لقتل الامام الحسن عليه السلام بالسم لم يكن علي استعداد للسماح لاي احد ان يعيدها الي اصحابها الحقيقيين، و كان يمهد منذ البداية لجعلها تستقر في بيته فلا تخرج منه ابدا، و هذا ما بدا منه طيلة مدة حكمه.

و اذا ما علمنا حرصه علي ذلك، اصبح علينا ان نعرف كم كان معاوية حريصا علي تحسين صورة يزيد امام الامة و جعله يتمسك بالامور المظهرية من العبادات و كما يفعل هو لكي تقبله الامة.

و اذ لم يستجب يزيد لذلك رغم محاولات ابيه التستر علي سلوكه و حثه علي الامتناع عن عبثه، رأيناكم كان يزيد يحمل روحا متمردة لا تستجيب لأبسط مقومات الاخلاق والتربية، فعلي الرغم من ضرورة قيامه بالتمسك بالامور الطقوسية التعبدية الظاهرية و امتناعه عما اشتهر به لكي يصبح بنظر الامة مؤهلا لمنصب الخلافة فانه رفض ذلك و ابي الا ان يسلك سلوكه الفاضح الذي عرف به و الذي لم يستطع اخفاءه حتي اولئك المداهنون المنحازون الي العائلة الاموية، و ربما نجحوا باخفاء الكثير عما اشتهر به، غير انهم لم يستطيعوا اخفاء حقيقته كلها.

و نتساءل هنا: هل كان معاوية بحاجة الي من يشجعه علي تنصيب يزيد خليفة له؟

و هل كانت محاولات المتملقين والمتزلفين الا تزيين ما فكر هو به اصلا و جعله يبدو كاقتراح منهم أو طلب ملح من الامة؟ كما كان يفعل اصحاب فرعون و كل فرعون بعده...؟.


هذا اذا لم يكن هو قد طلب منهم بشكل مباشر ان يعرضوا عليه ذلك امام الامة، لتكتمل حجته بزعمه امامهم و لكي يبدو و كأنه يستجيب لمطلبها و ينفذه بدافع الرغبة لارضائها و تحقيق مصالحها.

و امامنا ثلاثة حكايات حاولت تصوير الامر و كأنه البداية لظهور هذه الفكرة في رأس معاوية، و انه لم يكن يفكر بها من قبل.

و ملخص القصة الاولي ان معاوية نظر الي ابنه يزيد و امه ترجله و قد قبلته بين عينيه بعد ان فرغت منه، و يبدو انه كان صغيرا و جميلا مما اثار حفيظة ضرتها التي شتمتها، و اثار ذلك حفيظة معاوية بدوره و اراد ان يريها الفرق بين ابنها عبدالله الذي كان مشهورا بالحماقة ويين يزيد، و قد اتهمته زوجته بانه يميل الي يزيد دون سبب، و لبيان موقفه من يزيد و اسبابه استدعي معاوية ولديه، كلا علي حدة و طلب منهما ان يسألاه حاجتهما، اما عبدالله فطلب منه كلبا فارها و حمارا مما اثار سخرية معاوية و سخطه.

(ثم احضر يزيد و قال له مثل قوله لأخيه فخر ساجدا، ثم قال حين رفع رأسه: الحمد لله الذي بل أميرالمؤمنين هذه المدة و أراه في الرأي، حاجتي ان تعتقني من النار، لان من ولي امر الامة ثلاثة ايام اعتقه الله من النار فتعقد الي العهد بعدك و توليني العام الصائفة و تأذن لي في الحج اذا رجعت و توليني الموسم و تزيد لاهل الشام كل رجل عشرة دنانير، و تفرض لايتام بني جمح و بني سهم و بني عدي لانهم حلفائي، فقال معاوية: قد فعلت. و قبل وجهه و قال لامرأته ابنة قرظة: كيف رأيت؟ قالت: اوصه به يا أميرالمؤمنين ففعل) [1] .

و قد نقل ابن كثير رواية اخري مشابهة جاء فيها:

(ان يزيد لما قال له ابوه: سلني حاجتك قال له يزيد: اعتقني من النار اعتق الله رقبتك منها. قال: و كيف؟ قال: لاني وجدت الاثار ان من تقلد امر الامة ثلاثة ايام حرمه الله علي النار. فاعهد الي بالامر من بعدك، ففعل) [2]

و يبدو التكلف واضحا في هذه القصة، و لعلها من موضوعات معاوية


و ابتكاراته... فمن ترجل امه شعره لابد انه صغير السن، و يزيد هنا يخاطب والده ب (أميرالمؤمنين) فلابد انه في سن لا يتيح لامه ان تجلسه امامها و ترجل شعره...، ثم من اين ليزيد الماجن العابث سلوك الاولياء هذا حتي انه يسجد (لا ندري لله ام لوالده) قبل ان يوجه اليه خطابه.

اما الحديث أو الاثار التي عثر عليها يزيد و فيها ان من تقلد أو ولي امر الامة ثلاثة ايام اعتقه الله من النار، فلا ندري كيف اطلع عليه يزيد و لم يطلع عليه معاوية نفسه.

لا شك أن كل من تولي امر هذه الامة لم يكن يطمح الا الي عتقه من النار، فهنيئا لهم الجنة.

أي شوق الي الله نراه في كلام يزيد هذا، ان يكون اميرا للمؤمنين و يذهب لمحاربة الروم مجاهدا و الي بيت الله حاجا و اميرا علي الموسم، ثم هو يوصي بأهل الشام الاخيار و بأيتام حلفائه من بني جمح و بني سهم و بني عدي، ان وراء هذا الكلام ولي من أولياء الله، فهل عرف هذا الامر عن يزيد؟ و هل روي لنا احد من المؤرخين عن اخلاق يزيد و سلوكه ما يثبت هذه القصة؟

ثم لماذا يوضع يزيد في موضع المقارنة هنا مع اخيه عبدالله المعروف بتخلفه العقلي؟

هل كان الخيار محصورا بينهما فقط ليكون احدهما خليفة بعد معاوية؟

و هل كان النزاع بين يزيد و عبدالله اخيه فقط؟

و هل خلت الساحة الا منهما؟

ما هذه الاوهام التي اريد زرعها في عقول الناس من هذه القصة المفتعلة؟

و هل كان معاوية منتظرا توصية زوجته ابنة قرظة ليولي يزيدا امور المسلمين؟

و هل لم يكن يريد الا مصلحة الامة من ذلك.. ثم انقاذ ولده من النار؟

و هل كل من ولي امر هذه الامة الي يومنا هذه وقاه الله من النار رغم كل ما ارتكب من ذنوب و آثام؟

و هل جعل الله هذه الامة لقمة سائغة لهؤلاء الحكام لحكمة رآها هو سبحانه و لم يطلع عليها الا اولئك الحكام و اولادهم؟


أي عبث و كلام فارغ نسمعه هنا؟ هل نحن نتحدث عن الاسلام حقا و نحن نخوض بأمثال هذه التفاهات و الخزعبلات...؟

دعونا نتذكر ثانية اننا نتحدث هنا عن الامانة التي اراد الله تحميلها للسماوات و الارض و الجبال فأبين ان يحملنها، لانها امانة ثقيلة.. و حملها الانسان دون ان يتقيد بالتزاماتها و اعبائها، و دعونا نتذكر اننا نتحدث عن خلاصة الاديان و خاتمها و عن مكاسب حققتها الانسانية عبر مائة و اربعة و عشرين الف نبي سقط خلالها مئات الآلاف من الشهداء و الضحايا، كان آخرهم شهداء الاسلام، ثم يذهب كل ذلك لحفنة طامعة نصبت العداوة للاسلام و رسول الاسلام صلي الله عليه و آله و سلم و آله. و تغلبت علي امور المسلمين بالقوة و الاكراه، ثم راحت تزور الاسلام و تبث فيه سمومها و أكاذيبها و دجلها.

فهل كان الاسلام هو هذا الذي زوره معاوية و يزيد؟ و هل تنطلي علينا الحيل التي انطللت علي أهل الشام المخدوعين المبهورين.؟

هل كان معاوية مخلصا للاسلام اكثر من اخلاص رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و وصيه عليه السلام له، و لماذا نتجاهل اقوال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، بل القرآن الكريم، و ننساق وراء الاوهام و الاكاذيب و الافتراءات الاموية الباطلة؟

لمصلحة من نفعل ذلك؟ هل من فعلوا لك حققوا لانفسهم مصلحة و نفعا؟ اللهم الا لارضاء نمط معاد و مكروه من الحكام يشبهه و يماثله؟

و اذا ما فعل البعض ذلك لهذه الغاية، فما بال من تجردوا من كل مصلحة شخصية و ارادوا الحقيقة، ينساقون وراءهم دون وعي و دون تأمل؟

ان ما رأيناه امامنا لم يكن سوي مهزلة انحني امامها العقل البشري مضطرا، و لا نظنها تعاد في ظروف اكثر صحة و واقعية.


پاورقي

[1] ابن‏الاثير 465 / 3.

[2] ابن‏کثير 230/3.