بازگشت

دليل الفضائل الأموية، أحلام و أقاصيص مخترعة


و في غمرة الدفاع عن الدولة الاموية و زعمائها، راح كثيرون يخترعون الاقاصيص و الحكايات و الاحلام التي تدل علي حسن سيرة هذا (الخليفة الاموي) بشكل موح لابد ان نلمح خلفه شخصية معاوية المبتكرة الماهرة و المطلعة علي امور السياسة و أفانينها و ألاعيبها، فلمسته تبدو واضحة عليها بشكل مؤثر لا علي العقلية الشامية وحدها، و انما حتي علي العقليات الاخري التي اراد لها ان تقترب منها.

و ما نسبته الاقاصيص الي يزيد من فضائل قد لا تجعل منه بنظر الاغلبية من المسلمين الا انسانا عاديا أو سويا علي الاقل، و معاوية نفسه و قصاصوه لم يجرؤوا علي التمادي في هذه الاقاصيص الي الدرجة التي تمادوا بها عندما أو عز اليهم ان يرووا أحاديث علي لسان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بشأنه هو [أي معاوية] فمعاوية المتستر المتحفظ المتخفي، كان يجد بعض الآذان الصاغية التي قد تقبل امثال تلك الاحاديث و الروايات بشأنه عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، اما عن يزيد، فما عسي ان يروي بشأنه عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، لا شك انه لو اخترع حديثا و احدا عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بشأن يزيد، و انه امين و مهدي.. الخ كمعاوية، لأصبح ذلك مثار سخرية الجميع، حتي أهل الشام،و لربما دعا ذلك بعضهم لاعادة النظر بشأن الاحاديث الملفقة المروية بشأن معاوية ايضا، فاستهتار يزيد جعله لا يتورع عندما ارسله ابوه اميرا علي الحج ان يجلس علي شراب له عند وصوله المدينة، و اذا ما شكك بعضهم بذلك فان واقع حاله طيلة حياته يدل علي ذلك، و ما نظن الدفاع عن يزيد في مجال التمسك بالدين و الاخلاق بمجد عليه شيئا، اذ لو كان كذلك لقام ابوه بهذه المهمة، و لا نعرف دافع اولئك الذين يدافعون عن يزيد دون حجة أو بينة واضحة، اللهم الا ان يكون كرههم لآل البيت عليه السلام و تبنيهم لمواقف الامويين و أولهم معاوية هو الذي دعاهم للانخداع بما انخدع به آباؤهم الاوائل عندما ساروا علي طريق اولئك الاباء دون تدبر أو روية.

و مع ذلك لم يعدم يزيد من يجد له مخرجا و يدخله الجنة فقد رووا:

(ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: خير الناس قرني، ثم الذي يلونهم، ثم الذين


يلونهم، و القرن عشرون و مائة سنة، فبعث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في قرن و كان آخره موت يزيد بن معاوية) [1] .

و بهذا فهو يعد من خير الناس، و كفي الناس بهذا ضجيجا حوله، اذا انه دخل الجنة في النهاية علي اية حال، كما روي لنا ابن عساكر قال:

(حدثنا ابوالفضل محمد بن محمد بن الفضل بن المظفر العبدي قاضي البحرين من لفظه و كتبه لي بخطه قال: رأيت يزيد بن معاوية في النوم فقلت له: انت قتلت الحسين؟ فقال: لا. فقلت له: هل غفر الله لك؟ قال: نعم، و ادخلني الجنة. قلت: فالحديث الذي يروي ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم رأي معاوية يحمل يزيدا فقال: رجل من أهل الجنة يحمل رجلا من أهل النار، قال: ليس بصحيح) [2] .

كلاهما اذا من أهل الجنة، أما اذا ما قال احد انهما من أهل النار، فذلك ما لا يمكن تحمله، و يصح تكذيب الحديث من وجه واحد، اما المصدق فعليه ان ينقذ معاوية علي الاقل من النار، و يزيد سيجد له احدا يخرجه منها بحلم مثل هذا الذي رواه قاضي البحرين، كذلك الذي رواه عوف بن مالك بحق معاوية فقد روي:

(ان عوف بن مالك كان قائلا نائما بمسجد بأريحا، فانتبه، فاذا اسد يمشي اليه، فأخذ سلاحه، فقال له الاسد: صه، انما ارسلت اليك رسالة لتبلغها. قلت: من ارسلك؟ قال: الله ارسلني اليك لتعلم، معاوية انه من أهل الجنة؛ قلت: من معاوية؟ قال: ابن أبي سفيان، و لا يستبعد ذلك لان كلام الاسد له كرامة و هي جائزة الوقوع) [3] .

و لعل رسالات الاسود ابتدأت بعد انقطاع رسالات الانبياء، ربما كنا نصدق كلام الاسد لو كان حقا ما قاله لعوف بن مالك، و لم يخترع هذا الحلم هو و امثاله لخداع السذج و البسطاء..، كيف جري التناغم يين هذين الحلمين لتعزف انشودة العفو عن معاوية و يزيد؟

كيف يوفق ابن حجر بين ما رواه هو و بينما جاء بسند رجاله رجال الصحيح الا


واحدا مختلف فيه لكن قواه الذهبي بقوله انه أحد الاثبات و ما علمت فيه جرحا اصلا ان عمرا [عمرو بن العاص] صعد المنبر فوقع في علي ثم فعل مثله المغيرة بن شعبة، فقيل للحسن، اصعد المنبر لترد عليهما فامتنع الا ان يعطوه عهدا انهم يصدقوه ان قال حقا و يكذبوه ان قال باطلا فاعطوه ذلك، فصعد المنبر فحمد الله و اثني عليه ثم قال: انشدك الله يا عمرو و يا مغيرة، أتعلمان ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لعن السائق و القائد احدهما فلان [و يقصد بهما اباسفيان و معاوية، قالا بلي. ثم قال انشدك بالله يا معاوية و يا مغيرة الم تعلما ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم لعن عمرا بكل قافيه قالها لعنة؟ قالا اللهم بلي. ثم قال: انشدك بالله يا عمرو و يا معاوية الم تعلما ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم لعن قوم هذا؟ قالا: بلي. قال الحسن: فاني احمد الله الذي جعلكم فيمن تبرأ من هذا أي علي، مع انه صلي الله عليه و آله و سلم لم يسبه قط، و انما كان يذكره بغاية الجلالة و العظمة)] [4] .

بأي الامرين نأخذ؟ لا شك ان لعن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم لمعاوية و ابيه سيكون في النهاية كما يزعمون سبيلا لا دخالهما الجنة، كما كانت دعوته صلي الله عليه و آله و سلم علي معاوية ان لا يشبعه الله سببا آخر لدخوله الجنة ايضا.

لقد ذكر ابن حجر نفسه، و نأخذه كنموذج لبعض الكتاب أو المؤرخين أو المحققين الذين لا تثنيهم المعلومات التي يتداولونها هم عن الابتعاد عن التعصب و التحيز دون مبرر أو وجه حق، احاديث و مواقف مسندة الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن طريق صحابة موثوقين و رواة من رجال الصحيح علي حد تعبيره.

فقد روي عنه صلي الله عليه و آله و سلم:

(شر العرب بنوامية و بنوحنيفة و ثقيف) [5] .

(و عن أبي برزة رضي الله عنه قال: كان ابغض الاحياء أو الناس الي رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم بنوامية...) [6] .

و (... عن عبدالله قال لكل شي ء آفة و آفة هذا الدين بنوامية). [7] .


و يروح مع ذلك يبرر لمعاوية فعلاته علي اساس انه اجتهد فأخطأ، فهل اجتهد في مسألة واحدة و اخطأ فيها ام ان (اجتهاداته) كلها سلسلة متوالية و مستمرة من اخطاء متعمدة قاتلة أودت بالامة و جعلتها تتخبط في ظلام دامس لا يزال يسدل استاره حتي اليوم؟

الا يعلم ان ما مرت به الامة من مآس و ويلات و ضعف و هزائم سببه معاوية و من جاء بعده من الامويين من آله و آل مروان، ام انه سيجد احاديث و اقوال ملفقة رويت في عهدهم، يعلن بعدها ان عهدهم كان خير العهود، و انهم أحيوا أمر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و شريعته و سنته و حافظوا علي امته.

لنتذكر اننا لا نتحدث عن قضايا ادبية أو فلسفية مجردة، و نخوض في ترف فكري محظ، و انما نتحدث عن امة مظلومة مغلوبة قهرت و استغلت و سرقت مكاسبها، بعدما اوشكت ان تتعرف علي الاسلام و ترتفع بشريعته و ترفع كل امم الارض معها من وحدة الشرك و التخلف الي آفاق الايمان الرحبة الواسعة الغنية.

اننا نتحدث عن اكبر جناية بحق الانسانية كلها، لا في عصر معين، و انما في العصور كلها و الي يومنا هذا، و لا نظن ان التساهل أو التراخي بمثل هذه القضية الخطيرة التي سببها رجل واحد، تدخل في باب التسامح الذي اعلن عنه الاسلام، و انما في باب الانضمام لجيش الرواة و المحدثين و المفسرين و القصاصين و الشعراء و المتملقين الذين حفل بهم البلاط الاموي. و كما وجد اولئك المبررات الشرعية لقيام ذلك النظام الدخيل، يعمل كثيرون في ظل انظمة مشابهة علي ايجاد المزيد و المزيد كل ذلك بدافع من مصالح شخصية و خضوع للامر الواقع. أما الذي يفهم مسائل الاسلام، علي اساس الرؤية المحمدية الواضحة، فما عساه ان يكون فاعلا امام ما يراه و يسمعه و يتيقن منه؟

صحيح ان صلاحيات الثواب و العقاب هي بيد الله وحده، غير انه سبحانه لم يأمرنا ان ننام و نستكين و نخضع لكل من يخرب دينه و يزور شريعته و نترك امر معاقبتهم له، و انما امرنا ان نتصدي لكل من يقوم بذلك بكافة الوسائل المتاحة و ننكرها باليد و اللسان و القلب.

ان الاسلام ليس ترفا فكريا و ليس ممارسات طقوسية علي هامش الحياة، و انما شريعة اريد لها ان تنظم الحياة و تحكمها، فهل علينا ان ننظر الي من ابعدوه فعلا


و نصبوا له العداوة نظرتنا الي من ضحوا من اجله و رفعوا عماده و قربوه الينا و جعلونا نشعر بثمرته و عطائه و واقعيته و انسجامه الحقيقي مع الحياة؟

فلماذا لا نستعرض علي الاقل ما جرنا الي هذا الواقع المؤسف الذي نعيشه و تعيشه البشرية معنا، و لماذا لا نشخص اسباب الانحراف و دوافعها لكي نوقفها و نتجنبها حتي بعد مرور هذه المدة الطويلة؟

و لماذا نمنع من التعرض لمن كانوا سببا مباشرا لذلك، و نضفي علي شخصياتهم طابع القداسة الذي اضفاه عليهم اعوانهم و مريدوهم و مأجوروهم؟ و لماذا نظل تنطلي علينا نفس الألاعيب و الضلالات القديمة المكشوفة؟ و لماذا نناقض انفسنا بهذه الطريقة المؤسفة بل المفجعة؟

تروي روايات مصنوعة، يبدو التكلف و الوضع فيها ظاهرا، تشيد بمزايا يزيد الفريدة، و منها هذه القصة التي تطالعنا بأكثر من كتاب ادبي و تاريخي، و هي قيام يزيد بتعزية عبدالله بن عباس بالامام الحسن عليه السلام الذي قتل مسموما بدعم من معاوية و بايعاز منه، و كانت كلماته مؤثرة الي درجة ان ابن عباس نفسه الذي لم تكن تخفي عليه وقائع الحادثة حتما تأثر بدوره، و قال عن يزيد عندما نهض من عنده:

(اذا ذهبت بنو حرب، ذهب علماء الناس.. الخ) [8] .

ورووا ايضا انه قيل لابن عباس:

(أخبرنا عن ابنه (أي يزيد بن معاوية) فقال: كان في خير سبيله، و كان أبوه قد أحكمه و أمره و نهاه، فتعلق بذلك و سلك سبيلا مظللا له) [9] ورووا عنه أيضا أنه في يزيد (.. ان ابنه لخير أهله) [10] .

و لعله كان خير اهله فعلا اذ لم يكن لمعاوية سوي ولد احمق آخر اسماه عبدالرحمن كان مصابا بتخلف عقلي.

ان الذي ادخل يزيدا الجنة في نهاية المطاف (بحلم) في المنام و اخبر فيه انه قد غفر له ذكر حديثا عن غزوة القسطنطينية و قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.


(اول جيش يغزو مدينة قيصر مغفور لهم) [11] .

و تناسي القصة التي ذكر فيها [ان معاوية لما بلغه ان يزيدا ابنه قال، لما اصيب خلق كثير من الناس بارض الروم و هو علي شرابه مع ندمائه:



أهون علي بما لاقت جموعهم

يوم الطوانة من حمي و من موم



اذا اتكأت علي الانماط مرتفقا

بدير مران عندي ام كلثوم



حلف عليه ليغزون [12] ، مع اولئك الغزاة الاوائل.

و ربما انتشرت ابيات يزيد تلك فسببت الاحراج لمعاوية، فطلب من ابنه الالتحاق بذلك الجيش قائدا له، فهل كان يزيد في اول جيش غزا مدينة قيصر؟ و كيف اصيب خلق كثير من الناس بارض الروم و هو علي شرابه مع ندمائه؟ الا تدل هذه القصة علي انه لم يكن مع ذلك الجيش الاول؟ هذا اذا صح الحديث الذي روي عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

ما عسي المرء ان يقول عن يزيد؟ فما كان للتاريخ ان يذكره بتاتا لو لم يقم بأفظع الاعمال التي اقدم عليها حاكم ادعي الاسلام الي يومنا هذا، و اصبح عمله سنة لغيره من الحكام الذين لم يكن همهم سوي تثبيت عروشهم بمختلف الاساليب.

لقد وجد يزيد ملكا ممهدا و عرشا موطئا و رقابا محنية و جباها ذليلة، و ما كان عليه سوي ان يستثمر [جهد] والده الذي امضي حياته مكافحا لا نتزاع القيادة من اصحابها الحقيقيين و السطو علي مكاسب المسلمين، ليسير علي بساط الملك و يعبث كيفما شاء، يتقلب أو يتدحرج أو يثب أو ينط، فأمامه امة قد افهمت مسبقا انه دون من كان قبله و احسن ممن سيليه، و ما علم اولئك الذين بروا ليزيد فعلته و وقفوا معه انهم سيقفون معه ثانية محاكمات عديدة امام الناس هنا، فليس لاحد القدرة علي الادعاء انه يستطيع الحجر علي عقول الناس كلها، و بعدها امام الله في محكمة عادلة لا يملكون فيها ان يمنعوا السنتهم و ضمائرهم عن كلمة الحق و الصواب، و ما عسي ان نفعل نحن سوي ان نتمني لهم ان يعيدوا النظر قبل فوات الاوان؟



پاورقي

[1] ابن‏الاثير 465 / 3.

[2] المصدر السابق 240 / 8.

[3] تطهير اللسان و الجنان ص 12.

[4] المصدر السابق 55.

[5] نفس المصدر 63.

[6] نفس المصدر 64.

[7] نفس المصدر 64.

[8] البداية و النهاية 231 / 8.

[9] العقد الفريد 118 / 5.

[10] الامامة و السياسة 202 / 1.

[11] المصدر السابق 232.

[12] مروج الذهب 29.