بازگشت

اثار قلق الدولة فاغتالته


و في المدينة التي استقبلته بحماس و فرح شديدين أتاح له التفرغ من مهام المسؤولية القيادية الأولي فرصة القيام باعداد جيل رسالي واع سائر علي نهج آل البيت


و تزويده بوعي ثقافي و قدرة علي التحرك الاجتماعي الفاعل المؤثر القائم علي أخلاقهم.. و قد ضرب بأخلاقه و قدرته علي تحمل أخطاء الآخرين و تجاوزاتهم مثلا أعلي لكل المتطلعين لأخلاق الاسلام الحقيقية.

و كانت مدرسته العلمية المكملة لمدرسة والده مثار قلق الدولة الأموية و عاهلها و قد عقدت جلسات عديدة لأقطاب هذه الدولة أقرت بعدها ضرورة القضاء علي الامام و اغتياله. و من شأن ذلك أن يجعل الساحة فارغة أمام يزيد، الا من الحسين عليه السلام. و لن يعيا الدولة عندها أن تجد فرصة لقتله و استئصاله أن تصدي لها و عارض بيعة يزيد و جلوسه علي العرش.

و قد طلب من جعدة بنت الأشعث بن قيس - زوجة الامام أن تحتال علي قتله بالسم و اعطاءها مائة ألف درهم، و هو أسلوب مألوف طالما لجأ اليه مع معارضيه و أعدائه أمثال مالك الأشتر و غيره حتي أنه تندر بعد تلك العملية قائلا لزميله و شريكه في الجريمة: ان جنودا من عسل.. و كتب الي جعدة: (انك ان احتلت في قتل الحسن، وجهت اليك بمائة ألف درهم و زوجتك من يزيد. فكان ذلك الذي دفعها الي سمه. فلما مات الحسن أرسلت الي معاوية تستنجزه وعده فوفي لها معاوية بالمال و أرسله اليها مع رسالة يقول فيها: اننا نحب حياة يزيد و لولا ذلك لوفينا لك بتزويجه) [1] .

و قد كان معاوية متلهفا لمعرفة نتيجة مساعي جعدة لاغتيال الامام عليه السلام، مستعجلا نتيجتها التي كان قد خطط هو لها، و قد كتب الي عامله علي المدينة قائلا (ان استطعت أن لا يمضي بي يوم يمر الا يأتيني منه خبره فافعل) [2] و لم يستطع أن يخفي فرحته بموت الامام عليه السلام بعد ذلك.

و هكذا أراد أن يقطع أمل الأمة بوجود القيادة المؤهلة السائرة علي خط الرسالة الصحيح و المتمثلة بالامام الحسن عليه السلام الذي سبق و أن أوعده بعهد مكتوب أن يكون هو القائد الفعلي للأمة من بعده، اذ أن وجود الامام الحسن عليه السلام كولي للعهد يتيح له عليه السلام أن يوجه الأمة علي خطه الرسالي بكل حرية.. و هذا ما رفضه معاوية و حاربه.


و لم يكتف معاوية بذلك، فراح في غمرة سعيه لا ضعاف ثقة الأمة بقيادتها الحقيقية ينال من آل البيت عليهم السلام ابتداء من أميرالمؤمنين و انتهاء بالحسن عليه السلام من خلال تصوير المسألة كلها و كأنها مسألة تنافس علي الزعامة و الرئاسة بين أبناء (المتنافسين) الأوائل، و من خلال السباب البذي لأميرالمؤمنين، ودس الأخبار و الاشاعات الكاذبة من خلال القصاصين و رواة السير و غيرهم و رسم صورة للامام الحسن عليه السلام كشخص ضعيف لا تتعدي اهتماماته تكرار الزواج. و كأنه بذلك يريد تشويه صورته لتقترب من صور آل أمية و منهم هو الذي كان معروفا بميله الي الافراط بالملذات الحسية و الفواحش، و اعداد المسلمين لتقبل أسوأ و أقبح صورة يمكن أن يشاهدوها علي كرسي الخلافة، و هي صورة يزيد و قبوله كخليفة و أميرالمؤمنين..!!.



پاورقي

[1] مروج الذهب 5 - 3.

[2] الامامة و السياسة - ابن‏قتيبة - تحقيق محمد محمود الرافعي - القاهرة - مطبعة النيل 1904 ج 2. ص 276.