بازگشت

اجتمعوا علي باطلهم و تفرقتم عن حقكم


علي أن قوما عديدين ممن لم يطلعوا علي وقائع التاريخ يحسبون أن الامام الحسن قد استسلم و صالح معاوية حال وفاة أميرالمؤمنين، و أنه سار اليه بمجرد اشارة من يده، متناسين أن معاوية قد طمع في الأمر لنفسه حال وفاة أميرالمؤمنين


فعلا، و أنه دعا الامام الحسن للتنازل عن الخلافة، غير أنه جوابه بالرفض الشديد مع أنه كتب اليه يمنيه أمورا عديدة منها أن يكون هو الخليفة من بعده.

لقد استنفر الامام الحسن جيشه فعلا لمحاربة معاوية، و قد (خرج بالناس حتي نزل المدائن، و بعث قيس بن سعد علي مقدمته في اثني عشر ألفا، و أقبل معاوية في أهل الشام حتي نزل مسكن) [1] و هنا لعبت الاشاعة دورها الفاعل في جيش الامام عليه السلام، الذي كان يعيش حالة نفسية سيئة اثر اغتيال أميرالمؤمنين عليه السلام و الذي أرهقه القتال المتواصل مع جيش الشام، و الذي كان يعيش أيضا حالة تمزق و فرقة نتيجة استمالة بعض رؤسائه و قادته و شرائهم من قبل معاوية، و الذي كان أيضا يختلف بمستواه الفكري و مستوي و لائه للقيادة العامة للدولة الاسلامية و قيادة القبيلة (فبينا الحسن في المدائن اذ نادي مناد في العسكر: الا أن قيس بن سعد قد قتل، فانفروا، فنفروا و نهبوا سرادق الحسن عليه السلام حتي نازعوه بساطا كان تحته) [2] .

لقد بلغ من تخاذل و ضعف الجيش الذي بعثه الامام عليه السلام طليعة من قيس بن سعد، أنه اختار برمته الدخول في طاعة معاوية عندما (قام قيس بن سعد في الناس،


فقال: يا أيها الناس، اختاروا الدخول في طاعة امام ضلالة، و القتال مع غير امام؛ قالوا: لا بل تختار أن ندخل في طاعة امام ضلالة، فبايعوا لمعاوية) [3] .

و قد بدأت محاولة جدية لقتل الامام عليه السلام بعد البيعة بقليل (فلم يلبث الحسن عليه السلام بعد ما بايعوه الا قليلا حتي طعن طعنة اشوته، فازداد لهم بغضا و ازداد منهم ذعرا) [4] .

و مما زاد الأمر سوءا تراجع قائد جيش الامام عليه السلام الذي بعثه طليعة لجيوشه، و ربما كان عبيدالله بن عباس، و هو هذا القائد، قد لمس عوامل الضعف و الانحلال و التخاذل في جيشه و ربما أثرت عليه الاشاعات التي ترددت حول عزم الامام علي الصلح فأراد أن يبادر لاسترضاء معاوية بالتخلي عن الامام عليه السلام و ذلك دون علم الامام، مما أتاح ذريعة لبعض الناس للانضمام الي معسكر معاوية، فاذا كان قائد جيشه و ابن عمه يفعل ذلك، فلا شك أنهم يواجهون قضية خاسرة، فقد كتب الي معاوية (يسأله الأمان و يشترط لنفسه علي الأموال التي أصاب، فشرط له ذلك معاوية و بعث اليه ابن عامر في خيل عظيمة، فخرج اليهم عبيدالله ليلا حتي لحق بهم، و نزل و ترك جنده الذي هو عليه لا أمير لهم فيهم قيس بن سعد) [5] و هكذا جاء قولهم لقيس انهم يختارون الدخول في طاعة امام ضلالة، و هو معاوية، رغم معرفتهم و تيقنهم بأنه امام ضلالة. اذ ما يفعل الجند أمام خيانة و استسلام قائدهم؟.

و في هذا الحال، عندما استلم قيس قيادة طليعة الجيش المتخاذل و انتشرت اشاعة قتله بين جيش الامام، كانت هذه الاشاعة هي المعول الذي دك آخر الحصون و قضي علي آمال الامام عليه السلام بالحفاظ علي جيشه قويا متماسكا بمواجهة جيش معاوية القوي المتماسك و المستجيب لمعاوية و المندفع وراءه اندفاعا تاما دون حدود و دون تساؤل عن طبيعة الحروب التي يخوضها و الغرض منها، فقد روي عن عمرو بن العاص قوله: (رأيت معاوية في بعض أيامنا بصفين خرج في عدة لم أره خرج في مثلها، فوقف في قلب عسكره فجعل يلحظ ميمنته فيري الخلل، فيبدر اليه من يسده. ثم يفعل ذلك بمسيرته، فتغنيه اللحظة عن الاشارة). [6] .

و كانت مواجهة ذلك الجيش المتماسك بشبح جيش، يعني التضحية


بالمخلصين من جند الامام عليه السلام الذين لابد سيندفعون الي النهاية وراءه و يعني الانتحار الأكيد و الوقوع في أسر معاوية الي قتله و استئصال آله و أصحابه. و ستذهب دماؤهم هدرا في غمرة الأحداث المتلاحقة و في غمرة شعور معاوية بالنصر و الزهو، و لن تجد الأمة من يثأر لدمائهم أو يتصدي لفضح و كشف النظام الذي سينفرد بالسلطة.

ان بقاء الامام عليه السلام حيا شاخصا في الساحة أمام الأمة و تكريس وقته لتبصيرها بأمور دينها، سيتيح الفرصة أمامها لتكشف الفرق بينه و بين معاوية، و تكشف زيف الادعاءات الأموية بالحرص علي مستقبل الاسلام و بقائه مشعا، و أنهم لم يندفعوا الا وراء الأطماع الشخصية لتخريب الاسلام و ارجاع الأمة الي جاهلية جديدة.


پاورقي

[1] الطبري 65 - 3 و ابن‏الاثير 271 - 3.

علي أن أخطر اشاعة روجتها الدعاية الأموية هي الادعاء بأن الامام الحسن عليه‏السلام کان يکاتب معاوية سرا، و قد ثبت هذه الاشاعة بشکل واسع حتي أن بعض المؤرخين اعتقدوا بها و انطلت عليهم هذه الکذبة الفاضحة (و کان معاوية يدس الي عسکر الحسن من يتحدث أن قيس بن سعد قد صالح معاوية و صار معه، و يوجه الي عسکر قيس من يتحدث أن الحسن قد صالح معاوية و أجابه.. و وجه معاوية الي الحسن المغيرة بن شعبة و عبدالله بن عامر بن کريز و عبدالرحمن بن أم الحکم، و أتوه بالمدائن نازل في مضاربه، ثم خرجوا من عنده، و هم يقولون و يسمعون الناس: ان الله قد حقن بابن رسول الله (ص) الدماء و سکن به الفتنة و أجاب الي الصلح، فاضطرب العسکر و لم يشکک الناس في صدقهم فوثبوا بالحسن فانتهبوا مضاربه و ما فيها فرکب الحسن فرسا له و مضي في مظلم ساباط و قد کمن الجراح بن سنان الأسدي، فجرحه بمعول في فخذه... و حمل الحسن الي المدائن و قد نزف نزفا شديدا، و اشتدت به العلة فافترق عنه الناس، و قدم معاوية العراق فغلب علي الأمر، و الحسن عليل شديد العلة، فلما رأي الحسن أن لا قوة به و أن أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له صالح معاوية، و صعد المنبر فحمد الله و أثني عليه، و قال: أيها الناس ان الله هداکم بأولنا و حقن دماءکم بآخرنا، و قد سالمت معاوية «و ان أدري لعله فتنة لکم و متاع الي حين» تاريخ اليعقوبي - دار صادر - بيروت م 2، ص 215 - 214.

[2] الطبري 65 - 3 و ابن‏الاثير 271 - 3.

علي أن أخطر اشاعة روجتها الدعاية الأموية هي الادعاء بأن الامام الحسن عليه‏السلام کان يکاتب معاوية سرا، و قد ثبت هذه الاشاعة بشکل واسع حتي أن بعض المؤرخين اعتقدوا بها و انطلت عليهم هذه الکذبة الفاضحة (و کان معاوية يدس الي عسکر الحسن من يتحدث أن قيس بن سعد قد صالح معاوية و صار معه، و يوجه الي عسکر قيس من يتحدث أن الحسن قد صالح معاوية و أجابه.. و وجه معاوية الي الحسن المغيرة بن شعبة و عبدالله بن عامر بن کريز و عبدالرحمن بن أم الحکم، و أتوه بالمدائن نازل في مضاربه، ثم خرجوا من عنده، و هم يقولون و يسمعون الناس: ان الله قد حقن بابن رسول الله (ص) الدماء و سکن به الفتنة و أجاب الي الصلح، فاضطرب العسکر و لم يشکک الناس في صدقهم فوثبوا بالحسن فانتهبوا مضاربه و ما فيها فرکب الحسن فرسا له و مضي في مظلم ساباط و قد کمن الجراح بن سنان الأسدي، فجرحه بمعول في فخذه... و حمل الحسن الي المدائن و قد نزف نزفا شديدا، و اشتدت به العلة فافترق عنه الناس، و قدم معاوية العراق فغلب علي الأمر، و الحسن عليل شديد العلة، فلما رأي الحسن أن لا قوة به و أن أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له صالح معاوية، و صعد المنبر فحمد الله و أثني عليه، و قال: أيها الناس ان الله هداکم بأولنا و حقن دماءکم بآخرنا، و قد سالمت معاوية «و ان أدري لعله فتنة لکم و متاع الي حين» تاريخ اليعقوبي - دار صادر - بيروت م 2، ص 215 - 214.

[3] المصدر السابق 273 - 165.

[4] نفس المصدر 167.

[5] نفس المصدر 168.

[6] العقد الفريد 25 - 1.