بازگشت

المغامرة.. أو كشف العدو


و ننظر اي بعض ملابسات القضية الأخري: فنضي الي ما عرضناه بعض الأسباب الأخري التي دعت الحسن عليه السلام للصلح مع معاوية، و نصف بعض الأحداث التي رافقت تلك الفترة العصيبة.

فقد استطاع معاوية استمالة أعداد كبيرة من الناس من ذوي التأثير و النفوذ الي جانبه في حياة أميرالمؤمنين عليه السلام و بعد وفاته. و اذ لم يجد بعضهم الجرأة لترك أميرالمؤمنين عليه السلام و اعطاء مجرد و عود لمعاوية بأنهم سيظلون علي الحياد أو سيكونون الي جانبه، فان غياب أميرالمؤمنين جعلهم يستعيدون بعض الجرأة المفقودة و يعلنون انحيازهم الي صف معاوية. و كانت جرأة علي أميرالمؤمنين عليه السلام في حياته كفيلة بأن تقوي بعد وفاته علي خليفته الامام الحسن عليه السلام. و اذا ما أضفنا العوامل التي ذكرناها من قبل، و قيام معاوية باستنفار كل أجهزته للعمل بطاقتها القصوي لحسم المسألة و أن الامام الحسن عليه السلام أصبح يواجه مجتمعا مرهقا متساهلا بقضايا المبادي ء و القيم. أصبحت الأسباب التي دعت الامام الحسن عليه السلام الي الصلح واضحة أمامنا. اذ معني استمرار مقارعة معاوية و حربه، هو قيام الأخير باستئصال آل البيت و بقية المسلمين المخلصين استئصالا نهائيا دون أن يجرؤ أحد من المسلمين علي رفع يد أو سيف.

ان الجاهلية الأموية ستعلن عن وجهها البيح حينذاك صراحة، و لن تلجأ حتي الي رفع شعارات الاسلام الظاهرية. ان قتل الأئمة و استئصالهم من شأنه انقطاع دور الامامة نهائيا. و قد علمنا فيما مضي أن معاوية لم يكن يتورع حتي عن قتل الأطفال من


ذريتهم حتي تخلو له الساحة و لا يعد يمضه التفكير في القادمات من الأيام حيث يمكن أن يظهر من يطالب بالخلافة أو يتصدي لتقويم الانحراف.

ان معاوية الذي (اكتمل نصره) باغتيال أميرالمؤمنين و أصبح يعيش حالة احتفالية استطاع من خلالها توظيف الأمور و اظهارها و كأن الله سبحانه و تعالي كان يقف الي جانبه و ينصره.

و في غمرة هذا النصر، كان معاوية سيقدم بجرأة بالغة و تنكر شديد لكل القيم التي ادعي التزامه بها و خروج و ملعن عن الاسلام و شراسة منقطعة النظير علي استئصال آل البيت و الصفوة من المسلمين. و لن يجد من يجرأ علي الغضب لهم، و لن يثير كوامن السخط عند أولئك الذين قبلوه بديلا لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و سيضيع دمهم هدرا في غمرة الضجة و الأحداث المتلاحقة التي أعقبت اغتيال الامام عليه السلام.

و هذا أمر ينبغي الالتفات اليه هنا؛ فلا يحسبن أحد أن الامام الحسن عليه السلام كان سيخطو خطوة مغامرة من شأنها القضاء عليهم نهائيا، و قد تسبب فرقة الأمة و توزعها الي الأبد. و قد تذل من قبل معاوية الذي أقبلت عليه الأيام و أصبح هو القوة الكبري في العالم الاسلامي.

و كما حرص أميرالمؤمنين عليه السلام علي أهله منذ البداية، كما أوضح لنا هو في أسباب قعوده عن المطالبة بحقه، حرص الامام الحسن عليه السلام علي أهله كذلك و خاف عليهم، اذ لم يجد أحدا غيرهم معه في نهاية المطاف. و كأنه علم علم اليقين ببصيرته الثاقبة و قراءته لواقع الأمة ان الأمر سيسلب منهم في النهاية، و سينازعهم عليه قوم لا يضارعوهم بشي ء، غير أنهم اتفقوا علي حربهم و الخروج عليهم. و قد قال لأخيه الحسين عليه السلام: «و اني و الله ما أري أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوة و الخلافة».. فعقلية قريش لا تتحمل ذلك.لا تتحمل أن يسود محمد صلي الله عليه و آله و سلم و دين محمد الي النهاية.