بازگشت

لا تبكيا علي شي ء زوي عنكما


و لعل أميرالمؤمنين عليه السلام قد رأي بعين البصيرة الثاقبة موقف قريش و زعامتها الجديدة فيما بعد و يؤو الأمر بعده الي الامام الحسن عليه السلام فلا يستتب له و لا يستقيم، وي تكرر الأمر نفسه بعد ذلك مع الحسين عليه السلام، فأراد أن يعدهما لذلك، و يهون عليهما ما سيلقيانه من الطامعين و الحاقدين و المارقين، فأوصاهما قبيل وفاته قائلا: (أوصيكما بتقوي الله، و لا تبغيا الدنيا و ان بغتكما، و لا تبكيا علي شي ء زوي عنكما، و قولا الحق، و ارحما اليتيم، واغيثا الملهوف، و اصعنا للاخرة، و كونا للظالم خصيما و للمظلوم ناصرا و اعملا بما في كتاب الله و لا تأخذكما في الله لومة لائم) [1] .

فهو لم يوصهما بالقعود عن نصرة الحق و اغاثة الملهوف و المظلوم، حتي و ان ظلما و اغتصب حقهما. انه يدعوهما لفعل ايجابي بناء من شأنه أن يري الأمة أن المبادي ء و قيم لااسلام أهم لديهما من حقهما الخاص، و ان كلمة الحق و العمل بكتاب الله و مخاصمة الظالمه، ينبغي أن لا تكون ذريعة القعود عنها، هو ما نالهما من


ظلم و ما قد يتوقعانه من اضطهاد أو أذي.. و ينبغي أن لا يتجرأ الحاكم علي الأمة كلها من خلال التجري عليهما شخصيا.. و أن تشخص مظلمتهما أمام الأمة دائما لا كأناس ضعاف لا يملكون دفاعا عن أنفسهم، و انما كممثلين للمبادي ء و القيم، ظلما علي هذا الأساس و لهذا السبب.

و قد تزعم معاوية في النهاية حملة قريش ضد أميرالمؤمنين عليه السلام، كما تزعمها أبوه من قبل ضد النبي صلي الله عليه و آله و سلم. و استمرت الحرب سجالا بعد ذلك. و قد رأينا موقف الامام عليه السلام الصلب من معاوية و أشباهه، و كيف أنه لم يساومه و لم يجامله و لم يقره علي الشام كما أقره عليها من كان قبله.

و ما كان معاوية بالذي ينسي كل ذلك، و ما كان لينسي مواقف الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ضد قريش و طغيانها و كبريائها، و ينسي مواقف أميرالمؤمنين عليه السلام الذي قتل من آل أمية مقتلة جسيمة، و ما كان بالانسان الذي لا يحقد و لا يضمر السوء. و مع وجود الامام عليه السلام كان يري لنفسه فرصة لسلب الخلافة و الجلوس علي كرسي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم والاستئثار به لنفسه، فكيف اذا ما خلت الساحة برحيل الامام عليه السلام بعد اغتياله من قبل ابن ملجم الخارجي.؟.

كيف كان معاوية سينظر الي خلو الميدان من أميرالمؤمنين عليه السلام؟ و كف كان سيتحرك هذه المرة لمواجهة الامام الحسن عليه السلام، الذي رأي أن رصيده لدي الأمة لم يكن ليبلغ نفس رصيد أميرامؤمنين؟.

و كيف كان سيحرك اعلامه و قصاصيه و فقهاءه و شعراءه و (صحابته) المحترفين المأجورين.؟.

و كيف سيبث اشاعاته وألاعيبه و تلفيقاته بين صفوف المقاتلين السائرين خلف الحسن عليه السلام؟.

و كيف سيوزع (أمواله) و رشواته و لمن يمنحها هذه المرة؟.

لا بد أن (دهاءه) و (ابداعه في المكر) و الخديعة سيعتمد استراتيجة جديدة.

لقد كان كل شي ء مهيأ (لخدمته) و تنفيذ أغراضه.. فالجيش الذي يقوده الامام الحسن عليه السلام و غالبيته من أبناء الكوفة قد تعب من شد الرحال الي الشام منذ أيام صفين خلف أميرالمؤمنين، و قد ترك خلفه منذ تلك الأيام آلاف الضحايا من الشهداء و الأرامل و اليتامي.


أما جيش معاوية فكان قريبا من الشام، باق في مكانه لم يشد الرحال الي العراق.

لقد فقد العراقيون حماسهم الذي غالبا ما كان أميرالمؤمنين عليه السلام يحاول تأجيجه كلما خمد و انطفأت جذوته، و هم يخوضون حربا طويلة ضد معاوية، و قد فقدوا في النهاية قائدهم المحبوب العادل الذي جرعوه الغيظ اعتمادا منهم علي عدالته و سماحته و عدم انجرافه وراء نزوات الغضب و سوء الظن و الأخذ علي التهمة و الشك. و حسب كثيرون منهم أن معركتهم ستكون خاسرة بعد غياب الامام عليه السلام حتي و ان كان يقودهم الحسن عليه السلام نفسه.


پاورقي

[1] الکامل في التاريخ 257 / 4.