بازگشت

كما اختار الله الرسول اختار الامام


و حتي عند ما تردد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم باعلام المسلمين عن وصيته بخصوص خلافة أميرالمؤمنين عليه السلام من بعده، خشية قيام من يرد عليه الأمر، و يثير بسبب ذلك فتنة قد لا تنتهي، و رأي أن الأمر ثقيل علي نفوس عديدة، و لن تتقبله عن رحابة صدر، و ربما كادت للاسلام من خلال الكيد له عليه السلام مستغلة صلة القرابة الوثيقة و الاخوة الحميمة بين النبي صلي الله عليه و آله و سلم و الوصي عليه السلام لاثارة الشكوك حتي بنزاهة النبي صلي الله عليه و آله و سلم.!! مع أنه صلي الله عليه و آله و سلم أشار اليه اشارات واضحة في مناسبات عدة، و أراد الأمة كلها أن تعرف عمق ما تمتع به من كفاءات نادرة و امكانات لم تكن لتتاح لأي فرد آخر منها، و قد أوردنا قسما منها في الفصلين الأول و الثاني من هذه الدراسة.

و كما أختار الله محمدا صلي الله عليه و آله و سلم لرسالة و هي خاتمة الرسالات، فلماذا لا ينبغي علينا أن ندرك من النص الصريح من رسوله الكريم صلي الله عليه و آله و سلم، أنه قد اختار عليا اماما لا كمال المسيرة التي بدأها صلي الله عليه و آله و سلم و توضيح مفردات الدين الاسلامي و تفصيلاته و تشريعاته و أموره العديدة التي امتدت لتشمل كل جوانب الحياة و تشعباتها مستجداتها و مغيراتها.

و كان ينبغي لخاتمة الهالات، ان تكون مؤهلة لحل كل المشاكل الموجوده و المتوقعة التي قد تصطدم بها الامة و هي تعيش حياتها المغيرة الحافلة.


يتلقي الامام كل ما ينبغي تعلمه من علم عن الهول مع تسديد الهي يعصمه من الخطأ كما يعصم الهول صلي الله عليه و آله و سلم نفسه، لتظل مسيرته صحيحة و نقة الامة به مطلعة لا تتردد و لا تجم عن السيرة وراءه لا كمال الشوط مهما كانت مصاعب الطريق ثقيلة و صعبة.

و كان ينبغي ان يكون الامام افضل أهل زمانه علمهم بدين الله و اقومهم علي الاسلام، و كانت الصفات الفضلي موجودة عند علي عليه السلام بلا شك و عند أولاده من بعده. و اذا ما طرحنا التحيز المسبق و المواقف المبينة المتوارثة عن الاباء والاجداد جانبا، و اذا ما درسنا حياة أولئك الأئمة الكرام دراسة موضوعية متفحصة دقيقة، و استندنا في ذلك الي كتب أهل السنة وحدها فقط، فمن لم (يتشيعوا)، لرأينا ان آل البيت عليهم السلام قد امتازوا بصفات متفردة لا يساويهم بها احد، صفات الامامة و القيادة لهذه الامة علي خط الهول و نهجه دون تعثر أو انحراف و ميل أو ضلال. و ذلك هو ما ادعي عدوهم اللدود انه غير قادر عليه، وادعي ان لا أحد من الأمة يقدر عليه، بل و يقدر حتي علي سنيات عثمان علي حد تعبيره.

و كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم محقا بتردده في بداية الامر علي النص علي امامة أميرالمؤمنين عليه السلام من بعده، لما كان يعرف من تأثير قريش علي الناس، الي ان حسمت المسألة بأمر الهي مباشر (يأيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك و ان لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس) [1] ، و رغم تصريحه صلي الله عليه و آله و سلم بعد ذلك في غدير خم علي امامة أميرالمؤمنين عليه السلام، فان قريشا تناسب ذلك و انكرته.

ان نفس السبب الذي دعا عليا عليه السلام الي السكوت عن المطالبة بالخلافة لنفسه بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قد واجهته قريش كلها، هو نفس السبب الذي دعاه بعد ذلك الي شن الحرب علي معاوية، و هو: الحفاظ علي الاسلام و وحدة المسلمين، و ايقاف كل انحراف قد يقدم عليه الاخرون باسم الاسلام و في ظله، رغم معرفته بنفسه و من هو و ما هو و معرفته بقصد الاخرين عن مجاراته في أي مجال. و هو نفس السبب الذي دعا الامام الحسن عليه السلام عن السكوت عن حقه رغم علمه بحقيقة معاوية، مع ان سكوته و صلحه ليس اقرارا نهائيا لمعاوية و سللته بالبقاء علي السلطة،


و انما بالبقاء لأجل محدد، لحين وفات معاوية. ثم يعود الامر من بعده اليه، و اذا ما حدث له أمر فيعود الأمر الي اخيه الحسين عليه السلام.

و قد اشترطت وثيقة الصلح اضافة لذلك التزام معاوية بكتاب الله و سنة رسوله صلي الله عليه و آله و سلم [2] أي انه لم يمنح بموجبها حرية العمل بشكل كيفي كما يري، و انما علي أساس الاسلام و مبادئه و قيمه و احكامه.

و هكذا نالت قريش من علي و اولاده عليهم السلام، و هكذا وقفت شوكة في حلقه و قذي في عينيه و شجي في قلبه، حتي اشتكي منها شكواه المرة، مرة بعد مرة، فقد علم انها تلعب بحماس و انها غير مستعدة للتنازل عن المكتسبات التي حققتها بعد غياب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، مهما بذلت من خسائر، اذ ان معني ذلك بالنسبة لها فقدان كل شي ء، كيانها و شخصيتها و مكاسبها و كبرياءها. الي الأبد، و هذا ما لم تكن لتسمح به علي الاطلاق.


پاورقي

[1] المائدة: 67.

[2] الفصول المهمة - ابن‏الصباغ المالکي ط 3 / المطبعة الحيدرية - النجف 1962.