بازگشت

عقلية قريش و عقلية الاسلام


أما قريش، فمن أعرف بها من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و من أعرف من أميرالمؤمنين عليه السلام بها. لقد وقفت منذ البداية ضد الاسلام و تصدت له لعنف، غير أنها استسلمت و تراجعت و أحنت رأسها أمام الموجه الاسلامية العظمي، و آثرت أن تسير معها بدلا من أن تغرق و (تضيع) كما صور لها خيالها الجاهلي المريض. و كما دخلت الاسلام صاغرة منقادة، بعد أن هزمت في كل معاركها ضده، استطاعت بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم أن تتسلق الي مواقع قريبة من الزعامة، بل و أن تكون جزءا منها و أن تسطو علي مكاسب الأمة، و تشكل طبقة غنية جديدة (استثمرت) الاسلام، و وظفته لمصالحها و أغراضها.

و هل يتوقعا من قريش المنهزمة المهانة أن تنسي حقدها، و تنسي كرامتها و كبرياءها التي ديست و مصالحها التي حسبت أنها ستنهار الي الأبد؟.

و لابد أنها حسبت في النهاية، أنها لولا ما تتمتع به من ذكاء و دهاء و مكر و عقلية تجارية مشهود لها، لسحقها الاسلام الي الأبد، و لما استطاعت أن تعود الي مركزها و زعامتها، بل والي أقبوي مما كانت عليه، بعد أن امتد الاسلام الي كل أنحاء الجزيرة العربية و أنحاء أخري من العالم. و هكذا أتيح لها أن تفكر بحساباتها هي و بعقليتها نفسها و تصوراتها نفسها أيضا. تلك الحسابات و العقلية و التصورات الجاهلية القديمة التي كانت التجارة و الربح و الخسارة في مجال المال محورها. غير مستطيعة أن تفكر بمقياس القيم و المبادي ء الجديدة التي أرساها الاسلام و أراد أن تقوم كل أمور الحياة عليها، و نسخ كل الأساليب و المبادي ء و القيم الجاهلية القديمة البائدة.

أحنت قريش رأسها أمام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، لم تستطع أن تخفي كراهيتها و حقدها علي أميرالمؤمنين صلي الله عليه و آله و سلم، الذي أفلها و قتل رجالاتها و تحمل عبئا كبيرا في حماية الاسلام، و رأت فيه مؤهلات نادرة وظفها لخدمة الاسلام و رأت فيه ميلا كليا اليه، أصبح معه لا يري الا الله و عدالته و حكمته و قدرته.

كان الاسلام كل شي ء لديه، و لم يكن شي ء ليثنيه عن القتال في سبيله و قول كلمة الحق التي عرفها حق المعرفة و دافع عنها بحياته. و كان اذا ما أخذ موقعه المرتقب خليفة علي هذه الأمة، خليقا أن لا يفسح المجال لتجار قريش و ملئها


و كبارها و مترفيها أن يتزعموا مرة أخري، و يتسلقوا الي قمة السلطة و النفوذ مرة أخري، كما أرادوا بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. ولن يبدو أمامهم معه أي مجال للمساومة أو التنازل عن بعض المبادي ء و القيم.

و علي هو الذي كسر شوكتها بسيفه المجرد و صدره العاري و جسمه المكشوف فلم يصمد أمامه أحد في قتال أو نزال. كما لم يصمد أمامه أحد في رأي أو قول أو حكمة أو موقف. و كان من شأن العدالة التي لا بد أن يستمر في ارسائها و اقامتها، كما أقامتها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أن تميت ذلك الطموح القرشي المضطرم و ذلك التوثب للصدارة دائما. و كان شبابه عقبة كبيرة أمام شيوخها الطموحين الطامعين، و أمام شبابها النزقين المستهترين. و من شأن الفترة الزمنية الطويلة التي سوف تمتد أمام هذه الفتوة و هذا الشباب أن تكبح الي الأبد جماع القوة القرشية التي استسلمت مضطرة مخفية نواياها و مخططاتها الغادرة.