بازگشت

و الله للذي صنعه الحسن بن علي كان خيرا لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس


و لا شك أنا اذا تمعنا في تاريخنا و تراثنا الباقي الخالد الذي لا نتمسك به كأثر غابر قديم، بل كشي ء حي يعايشنا و يشخص أمامنا دائما و لا غني لنا عنه، تتجلي لنا عظمة تلك الشخصيات الكبيرة التي لعبت أدوارا كبيرة في مسيرة الأحداث، و التي لقيت عنتا و ظلما كبيرين لما يمنعها من أداء مهامها الدقيقة بمواظبة و عزم و جرأة.

و لا شك أن الامام الحسن عليه السلام كان احدي تلك الشخصيات التي برزت في أحلك و أقسي و أدق فترة مرت بها الأمة الاسلامية علي الاطلاق، و لأنه كان صورة عن أبيه، يحمل نفس تصوراته و نفس فهمه للاسلام، استطاع بفضل ما امتلكه من علم كرس له حياته في رحاب أبيه و جده صلي الله عليه و آله و سلم، فانه استطاع أن يصمد أمام معظلة كبيرة وقفت فيها الأمة علي مفترق طرق متعددة، و يخرج منها بحل كان من شأنه أن يحفظ الاسلام و الصفوة المختارة من المسلمين.

لقد كان معاوية يتزعم أكبر قوية عسكرية ضاربة متمثلة بستين ألف جندي مدججين بالسلاح، مطيعين، غير مخالفين و لا متسائلين و لا شاكين بنوايا معاوية و أغراضه و أهدافه، انقادوا وراءه انقيادا أعمي، تقف وراءهم فئة واسعة من أهل الشام و الأحزاب الحاقدة علي أميرالمؤمنين عليه السلام و في مقدمتها قريش. و قد رأي أن الفرصة أصبحت متاحة أمامه بعد اغتيال أميرالمؤمنين عليه السلام للسيطرة الكاملة علي أقطار المسلمين و مقدراتهم.


و كانت الأمة في تلك المرحلة الدقيقة قد بدأت بوادر استعدادها للاستسلام لمعاوية و ألقت السلاح و أعربت عن استعدادها للتخلي عن الامام الحسن عليه السلام و عن كل قضايا المبدئية و التزامها بدينها القويم.

و هنا لابد أن يبرز دور الامام الحسن عليه السلام، القائد الحقيقي للأمة و المسؤول الأول عنها و عن مصيرها، لا علي طريق شقها و تكبيدها المزيد من الخسائر و الويلات و انما لجمعها و استقرارها و ثباتها و اتاحة الفرصة أمامها لا لتقاط أنفاسها و التفكير في الواقع المؤسف الذي وضعه فيها خروج معاوية علي أميرالمؤمنين عليه السلام، و لتتاح لها فرصة التفكير و المراجعة و النظر بأحوالها علي ضوء هذا الواقع الذي وصلت اليه أو الذي أوصلها اليه أعداؤها في واقع الأمر.

و بغض النظر عن الروايات التي قيلت بشأن الامام الحسن عليه السلام و التي نسبت الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، بأن الله سيصلح به بين فئتين من المسلمين. فان ما حدث فعلا هو أن الله قد جعل صلاح الأمة و ثباتها علي يديه، بل و جعل حياتها و مستقبلها رهينين بتصرفه في أحرج ظرف مرت به الأمة بعد وفاة أميرالمؤمنين عليه السلام و الي هذا أشار الامام محمد الباقر عليه السلام حفيد الحسين عليه السلام قائلا: (و الله للذي صنعه الحسن بن علي عليه السلام كان خيراع لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس) [1] كما أن روايات أخري صحيحة تدل علي أنه ما كان يختار الا طريق الاسلام و استقامته و نهجه، ذلك الذي رآه رؤية واضحة من خلال جده و أبيه، و الذي لم يكن له هدف الا انتهاجه دون أن يحيد و يتراجع أو يتعب.

وقد كان وعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم له و لأخيه الحسين عليه السلام مسبقا بأنهما سيدا شباب أهل لاجنة بأاديث صحيحة مسندة تجمع عليها كل كتب الحديث و السيرة، دليل علي النظرة الصائبة للرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و علم من العلم الذي علمه الله سبحانه و تعالي، بأن هذين الامامين ما كانا و هما ينشآن في مدرسة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم نفسه و يكملان المسيرة في مدرسة أبيهما أميرالمؤمنين عليه السلام، ما كانا الا ليسيرا علي نفس النهج الذي سار عليه أولئك القائدان العظيمان و ما كانا الا واصلين بر الأمان بنجاح رغم صعوبة الطريق و شراسة العدو.


و لم تكن حياتهما في ظل أبيهما أميرالمؤمنين عليه السلام مما يمكن أن تتشابه مع أمثال يزيد و أشباهه من العاطلين العابثين. فجشوبة العيش و خشونة الحياة التي أخذر أميرالمؤمنين عليه السلام بها نفسه و عائلته، لم يكن يتحملها الا أولئك الذين وجدوا مسرات أخري تنسيهم هذه الحياة المادية الحافلة، خصوصا و أن الكثيرين من أبناء (الصحابة) الذين استأثروا بالأموال الطائلة كانوا قريبين منهما، يعيشون مرفهين منعمين ميسورين.

و هناك العديد من الدلائل و الأخبار التي تشير الي التزامهما نهجا صارما في الحياة لا يقدر عليه الا من فهم الاسلام حقا و وعاه من الصفوة النادرة من آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم أنفسهم.

ان حلاوة الاسلام و حنان الأب الذي يحتضنهما، و هو يعدهما لمهمة قيادة الأمة بعده و رصد تصرفات أبنائها و العودة بها الي الطريق السوي كلما حاول أن ينحرف بها منحرف جعلتهما ينسيان كل مغريات الحياة و ترفها و نعيمها، و لا يتطلعان الا لمثلهما الأعلي و خالقهما العظيم، فلا يريان أي شي ء الا ويريا الله معه و فيه و خلفه و أمامه كما كان أبوهما عليه السلام من قبل.

لقد أعدهما أبوهما عليه السلام علي نهج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و نهجه هو، قائدين للأمة و امامين، لا مجرد متسلمين للسلطة.. كان لابد للامامة أن تستمر فيهما بعد أن ينتهي دور أبيهما عليه السلام بوفاته، و كان التزامهما بنهج جدهما صلي الله عليه و آله و سلم و أبيهما عليه السلام من بعده التزاما دقيقا و صارما ضمانة كبيرة لا ستكمال كفاءتهما و تأهلهما لهذه المهمة الكبيرة، مهمة قيادة الأمة علي نفس النهج و منعها من الانحراف و الانزلاق والابتعاد عن خط الاسلام.

و هكذا فان الرسول العظيم صلي الله عليه و آله و سلم قد أدرك ببصيرته الثاقبة و علمه الذي تعلمه من لدن العليم الخبير هذه المهمة المعدة لهذين الامامين بعد أن عمل علي اعدادهما منذ البداية من خلال أميرالمؤمنين عليه السلام، و أنما سيكونان امامي هذه الأمة يحفظانها بنفس الطريقة التي حفظها بها أبوهما رغم القوي التي تصدت لهما بشراسة و عنف.

و لقد صرح صلي الله عليه و آله و سلم بجلاء و وضوح - حفظته لنا كل كتب الحديث «الحسن والحسين امامان قاما أو قعدا» في أي حال يكونان عليه، و امامتهما مفروضة علي الأمة واجبة. و لا حاجة للأمة بأكثر من هذا التصريح.



پاورقي

[1] روضة الکافي ج 8، ص 330.