بازگشت

الذرائعية الأموية تمهيد للانحراف المعلن، معاوية مثالا


و اذا ما تمادي أحد بالشك في فضل هؤلاء، و تأول في تفسير الايات النازلة بحقهم، و فسر أقوال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و أميرالمؤمنين عليه السلام بشأنهم بأنه نابع من عاطفة أبويه حميمة، و اذا ما ذهب آخرون بأن التأويلات و الأحاديث التي وردت بحق آل البيت انما كانت مصادرها كتب الشيعة و موروثاتهم الثافية و الأدبية و غيرها و حسب. فان نظرة منصفة الي تصنيفات و مؤلفات و صحاح و كتب المسلمين من أبناء السنة في التفسير و الحديث السيرة، ترينا أن المسألة تبعد عن ذلك بكثير. فهي ليست مسألة صراع بين السنة و الشيعة، ذلك (الصراع) الموهوم الذي زرعه معاوية و بث بذوره منذ البداية و حاول أن يدخل طرفا فيه، و يختار الجهة التي يمكن أن تقف الي جانبه لمحاربة أميرالمؤمنين عليه السلام، و لا شك أنه قد اختار أن يوحي بأن من كانوا شيعة لعلي عليه السلام و الذين حاربوا تحت لوائه، كانوا أعداء لبقية المسلمين من (السنة و الجماعة) الذين تزعمهم معاوية بعد (عام الجماعة) مع أن المذاهب الاسلامية قد ظهرت في عهد متأخر كما أوضحنا.

و كانت معادلة غريبة، أن يمثل معاوية هؤلاء جميعا و يكون منهم جبهة عريضة


من المسلمين، و يوحي لهم بأن أميرالمؤمنين عليه السلام كان يعمل ضدهم و ضد مصالحهم، هو و شيعته، و أنه، أي معاوية، كان الوحيد الذي يمثل هذه المصالح و يسعي لتحقيقها علي أرض الواقع الذي ابتعد عنه الامام كثيرا بزعمه..!!.

و قد دلت أحاديثه عل ذلك بوضوح و دون تحفظ. قال لأهل المدينة: (اني سلكت طريقا لي فيه منفعة و لكم فيه مثل ذلك، و لكل فيه مؤاكله حسنة و مشاربه جميلة ما استقامت السيرة و حسنت الطاعة. فان لم تجدوني خيركم فأنا خير لكم) [1] .. و قال لهم أيضا: (فاقبلونا بما فينا، فان ما وراءنا شر لكم و ان معروف زماننا منكر زمان مضي، و منكر زماننا معروف زمان لم يأت) [2] .

و قال: (و أما أنا فمالت [الدنيا] بي و ملت بها، فهي أمي و أنا ابنها، فان لم تجدوني خيركم فأنا خير لكم). [3] .

ان كلام معاوية و خطبه تمهد لأوسع خطوات الانحراف المقبل الذي كان يعد له و يتوقعه من خليفته يزيد، و كان يعد الأمة لتركن اليه و تتقبله علي أنه انحراف أو انحدار طبيعي لابد منه، و أن تسكت عنه فلا تغير أو تبدل.

و قد أصبح نهج معاوية هذا الملائم و الموافق لحاجات السلطان في كل زمان و مكان شريعة تفسخ شريعة محمد صلي الله عليه و آله و سلم الأولي، لأنها تحقق أكبر قدر من الفائدة له و تجعل الناس مستسلمين خانعين لا يتوقعون أي تغيير أو يسعون اليه بأي حال و تحت أي ظرف.

ان الأمر الوحيد الصحيح هو أن يكون الجميع شيعة لله و كتابه و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و سنته، لا شيعة لمعاوية و أتباعه و مريديه.

و لسنا بحاجة الي أن نقارن بين من نصبوا من أنفسهم ممثلين للمسلمين و مصالحهم بحجة أنهم من أبناء (السنة و الجماعة)، و بين من كان ممثلا حقيقيا للاسلام بأفعاله و أقواله و استقامته.. و هو ممثل السنة و الجماعة حقا.


غير أن دروب الانتهازية و المصالح و السياسة العمياء التي تري مصالح السلطان فوق كل شي ء، و تتخذ من الاخرين مطايا لتنفيذها، و تحمل عليهم ما تريد تحميله. و تجعل من المسلمين شيعا و طوائف حتي تمرر عليهم مخططاتها و ألا عيبها..!.

ان تاريخ المسلمين أحري أن يدرس من هذه الزاوية، و يري الجميع كيف أن المطامع الشخصية و النزوات الحيوانية، و دوافع الجهل و الغرور في نفوس الذين جعلوا من أنفسهم علي رغم أنوف المسلمين (الملأ و الصفوة و القادة)، و وثبوا علي أكتاف الأمة في غفلة عنها.. هي التي حددت بعض ملامح و مسارات هذا التاريخ، و حاولت جعل الأغلبية من المسلمين من طائفة الهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق ليسهل التأثير عليهم و قيادتهم و جرهم لتنفيذ السياسات الجاهلية الرعناء.

لأن الأمة متي ما وصلت الي هذا الحد تكون قد ماتت، لأنها لم تعد تمتلك مقومات الوجود و البقاء كأمة اسلامية، و لا تعود الأكثرية تشعر بالظلم و الحرمان و حالات البؤس و الجهل التي أوصلها اليها حكامها الطامعون علي مر الزمان. و في هذه البيئة، بيئة الجهل و الانحطاط و الانحراف وحدها يتمكن هؤلاء الحكام من تحقيق مصالحهم و يظلوا متسلقين فوق أكتاف الأمة يسيرونها كيف شاءوا و يجعلوها سلما لأغراضهم.


پاورقي

[1] ابن‏کثير 132 - 8.

[2] العقد الفريد 83 - 82 - 4.

[3] المصدر السابق 365 - 364.