بازگشت

ثورة الحسين نتيجة طبيعية لصلح الحسن


و لابد لنا - أيضا - قبل مناقشة موقف الامام الحسن عليه السلام من معاوية بالذات بعد وفاة أميرالمؤمنين عليه السلام أن نعلم أن الأئمة كانوا ينطلقون في مواقفهم و تصرفاتهم من منطلق واحد و نظرة واحدة، و أن لهم معيارا واحدا لا يحيد فيه أي أحد منهم عن الاخرين. و لابد أن نعلم أيضا أن الامام الحسن عليه السلام امتلك نفس التصور بشكل عام... كما أن الامام الحسن عليه السلام امتلك نفس التصور الذي حمله أميرالمؤمنين عليه السلام، و نفس النظرة الكلية الشمولية للاسلام و الحياة بشكل عام.. كما أن الامام الحسين عليه السلام امتلك نفس تصورهما و شعورهما و انطلق في مواقفه و تصرفاته علي هذا الأساس. كما سنبين - بعون الله - ذلك... رغم التباس الأمر علي العديدين و تصورهم اختلاف موقفي الامامين عليهم السلام من الدولة الأموية و من معاوية بالذات. فمقابل الصلح الذي عقده الامام الحسن عليه السلام بعد وفاة أميرالمؤمنين، تصور البعض ان بامكانهم تحريض الامام الحسين عليه السلام بعد وفاة الامام الحسن عليه السلام وجره الي مواجهة فعلية مع معاوية. و ذلك ما رفضه الامام الحسين عليه السلام لأنه أدرك أن المواجهة لن تكون في صالح المسلمين و ستكون نتيجتها ابادة حملة الاسلام الحقيقيين و استئصالهم، و استمر عليه السلام علي نفس النهج الذي سار عليه أخوه عليه السلام من قبل. مع أنه كان يستعد في الوقت المناسب للثورة علي هذه الدولة، و ذلك ما أضمره و نواه، و قام به في الوقت المناسب، عندما سقطت الأمة جثة هامدة بين يدي يزيد.

و قد عبر عن ذلك الامام الحسين عليه السلام بنفسه عند وفاة الامام الحسن عليه السلام، عندما قدم عليه المسيب بن عتبة الفزاري في عدة معه (فدعوه الي خلع معاوية و قالوا: قد علمنا رأيك و رأي أخيك، فقال: اني لأرجو أن يعطي الله أخي علي نيته في حبه الكف و أن يعطيني علي نيتي جهاد الظالمين) [1] .

و علي ذلك فلا ينبغي أن نتصور تناقضا في السلوك و المواقف بين الامامين أو بين الأئمة فيما ببعد.

فالامام الحسن عليه السلام كان نتاجا طبيعيا لأميرالمؤمنين عليه السلام. و لعل الفرص التي أتيحت له هو و لأخيه الحسين عليه السلام، لم تتح لأحد قبلهما قط، اذ أنهما شهدا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و عاشا في ظله، و كانا الوحيدين اللذين بايعاه و هما لم يزالا بعد طفلين


بعد، و قد تعلما القرآن و التفسير عن والدهما و ورثا عن أبيهما وجدهما كل صفاتهما الفائقة.

فقد روي عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: (بويع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الحسن والحسين و عبدالله بن جعفر و هم صغار و لم يبايع قط صغير الا هم) [2] .

و لعل حنان جدهما صلي الله عليه و آله و سلم و حبه المفرط لهما، و حرصه عليهما كان يتجاوز حدود المحبة الابوية بين الأب و أبنائه.. و لقد كان حبا في الله. و لابد أنه صلي الله عليه و آله و سلم كان يعلم الدور الذي سيلعبانه في حياة الأمة المسلمة، و الظلم الذي سيلحق بهما و بأبويهما علي أيدي من جاء لتخليصهم و اخراجهم من الظلمات الي النور، فتفيض نفسه حسرات علي أولئك الذين كان ينبغي أن يطيعهم الجميع و ينقادوا اليهم و يقتدوا بهم، بدلا من التصدي لهم و محاربتهم و سلبهم حقوقهم و عزلهم عن مركزهم و مراتبهم التي رتبهم الله فيها.

و كانت الفترة التي أقصي فيها أميرالمؤمنين عليه السلام عن مركزه فتره طويلة نسبيا (حوالي ربع قرن)، أتيح فيها لولديه عليه السلام أن يستفيدا من قربه منهما، و عدم انشغاله كليا بالأمور العامة، فكانت فرصة عظيمة لهما لتلمس كل الجوانب العظيمة التي حفلت بها شخصيته و أن يستمدا منه جوانب قوته و عظمته و يكونا نسخة منه. و كانت تلك البدايات الأولي التي أتيح لهما فيها أن يتربيا في الأحضان الطاهرة لأبيهما رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه و أمهما الزهراء البتول و أبيهما أميرالمؤمنين عليه السلام، كأنها كانت مكرسة لاعدادهما اعدادا خاصا للقيام بأعظم الأدوار التاريخية التي شهدها الاسلام، لتصحيح الانحرافات في أخطر فترة عاشتها الأمة بعد وفاة أميرالمؤمنين عليه السلام.

و لم تكن تلك الانحرافات التي حصلت، بالتي يمكن تصحيحها بقول مجرد أو فعل عادي، كان لابد من تحرك كبير يهز وجدان الأمة و يريها أنها تنحرف حقا، و أنها قد ابتعدت عن الخط الذي رسمه لها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

و هذا ما فعله الامامان كلاهما.

و ما قاما به قد هز وجدان الأمة حقا، و أخرجها عن حالة الرتابة و الجمود التي


وجدت نفسها عليها، بعد تسلط الطغمة الأموية نفوذها و قوتها الي أرجاء الوطن الاسلامي في ذلك الحين.

ان اشادة أميرالمؤمنين عليه السلام بآل بيت الرسول صلي الله عليه و آله و سلم لم يكن من قبيل التحيز المجرد للعائلة و القرابة كما يفعل البعض، و انما كانت اشارة موحية للأمة للتمسك بهم و بنهجهم - كما رأينا في دعوته القوية و المستمرة لذلك. و اذا ما أباح أحدهم لنفسه أن يتشكك في موقف الامام عليه السلام و يعزوه الي عاطفة القرابة و الرحم، فان لنا في الشواهد العديدة التي دلت علي فضل هؤلاء و في مقدمتها القرآن الكريم، كلام الله المنزل، و أقوال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ما يجعلنا علي يقين من مؤهلاتهم الاستثنائية و قدراتهم الفائقة، التي تشكل امتدادا طبيعيا لمؤهلات و قدرات الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم نفسه، الذي اختصه الله بالرسالة و حمله هذه الأمانة العظيمة ليوصلها الي البشرية كافة في كل أنحاء المعمورة، و ليظل خطابه مباشرا من خلالهم للناس كافة يمس قلوبهم و ضمائرهم دائما، و ليظل قريبا من كل أحد عرف هذه الرسالة و شعر بحلاوتها و طعمها.


پاورقي

[1] ابن‏کثير 164 - 8.

[2] العقد الفريد 25 - 5.