بازگشت

صد التحركات الأموية


و كان ملاحظا خبيرا و واعيا و راصدا جيدا لكل تحركات و أقوال و تصرفات الأعداء، و لم تفته الصفقة التي عقدها معاوية مع عمرو بن العاص و أدرك قذارتها و طبيعتها التساومية كما أدرك حاجة كل منهما للآخر و هما يتصديان لأميرالمؤمنين عليه السلام. علما أن هذه الصفقة انطلت علي جماهير كثيرة من المسلمين عزز من ذلك حيلة و مكر الرجلين، حتي أنه عمرا كان وجها مقبولا في مهزلة التحكيم. فقد روي أبوموسي الأشعري - الطرف الثاني في هذه المهزلة - قال: (أخبرني الحسن قال: علم معاوية و الله، ان لم يبايعه عمرو لم يتم له أمر، فقال له يا عمرو، اتبعني. قال: لماذا؟ للآخرة؟ فوالله ما معك آخرة؛ أم للدنيا؟ فوالله حتي أكون شريكك فيها! قال: فأنت شريكي فيها. قال: فاكتب لي مصر و كورها. فكتب له مصر و كورها و كتب في آخر الكتاب: و علي عمرو السمع و الطاعة. قال عمرو: و اكتب: أن السمع و الطاعة لا ينقصان من شرطة شيئا. قال معاوية: لا ينظر الناس الي هذا. قال عمرو: حتي تكتب. قال: فكتب، و الله ما يجد بدا من كتابتها) [1] فقد كان الحسن عليه السلام كما يلوح لنا متابعا يقظا لمناورات الأعداء و أحابيلهم، و كان منتبها الي طبيعة الرجلين، اللذين قيض له أن يواجههما سوية في النهاية. رجلان يعترفان بأنهما يعملان للدنيا و أن لا آخرة معهما.. لا يعملان بوحي من دين أو عقيدة، و انما بوحي من مصالح و طموح كبير للملك و السلطان و المغانم.

ان هذا يجعلنا نعلم أن الحسن عليه السلام كان يدرك تمام الادراك طبيعة الطرف الاخر المنافس، و أنه لا يتورع عن حرق الأرض بمن عليها لو أدرك أنه الخاسر في النهاية.

و قد لام عليه السلام حبيب بن مسلمة، بعد أن انحاز الي صف معاوية مؤثرا ترك أميرالمؤمنين عليه السلام قائلا: (اطعت معاوية علي دنيا قليلة، فلعمري لئن قام بك في دنياك، لقد قعد بك في دينك. و لو أنك اذ فعلت شرا قلت خيرا، كنت كما قال الله تبارك و تعالي: (خلطوا عملا صلحا و ءاخر سيئا) [2] و لكنك كما قال جل و عز: (كلا بل ران علي


قلوبهم ما كانوا يكسبون) [3] [4] .

كان الحسن عليه السلام واثقا من نفسه و مركزه و علمه، و لم يكن مترددا في أي موقف وقفه أيام حياته، و تجلت ثقته بنفسه و أهل بيته في تصريحات عديدة له حاول أن يبين للناس من هم آل البيت عليه السلام و ما هي منزلتهم عند الله و عند النبي صلي الله عليه و آله و سلم..و كان هذا التصريح تأكيدا له دلالته الكبيرة بوجه كل من يحاول غمط فضائل آل البيت و طمسها أو التعتيم عليها، فقد قال عليه السلام: (من أتانا لم يعدم خصلة من أربع: آية محكمة و قضية عادلة و أخا مستفادا و مجالسة العلماء [5] .


پاورقي

[1] نفس المصدر 92 - 5.

[2] التوبة: 102.

[3] المطففين 14.

[4] البيان و التبيين - الجاحظ - مکتبة الرياض الحديثة - دار الفکر ج 2، ص 197 - 93 تحقيق عبدالسلام محمد هارون.

[5] البيان والتبيين - الجاحظ - مکتبة الرياض الحديثة - دار الفکر ج 2، ص 197 - 93 تحقيق عبدالسلام محمد هارون.