بازگشت

ملامح من شخصية الامام الحسن و سيرته


و قبل أن ندخل في ملابسات الصلح و ظروفه، لا بد لنا من الحديث عن بعض ملامح شخصية الامام الحسن عليه السلام. تلك الشخصية التي حاولت الدعاية الأموية التعتيم عليها بحملة ضخمة كرست لها جهود كل أجهزتها و خبرائها. و حاولت اظهاره كشخص ضعيف، محدود الاهتمامات و التجارب، و ان جل اهتمامه كان منصبا علي الاكثار من الزوجات و تطليقهن حتي لامه أميرالمؤمنين عليه السلام نفسه علي ذلك. و بلغت قوة هذه الدعاية بشأنه أنها أخذت لها حيزا في أذهان الكثيرين من المسلمين


علي مر الأيام و حتي يومنا هذا، رغم ضعف الروايات الواردة بهذا الشأن و ضعف رواتها. كما حاولت تصويره كفتي قرشي مترف أكبر همه عند الصلح مع معاوية الحصول علي مكاسب شخصية له و لعائلته.

ان صورة الامام الحسن عليه السلام الحقيقية، تتجلي من خلال شهادات القرآن لاكريم، و جده الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بحقه كما ورد بروايات و أحاديث مؤكدة تشيد به كرمز من رموز الاسلام، و شخصية جديرة بقيادة المسلمين. فهو خامس أهل الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا و عصمهم من الشيطان و ادارته و دنياه المظلمة... و كان حب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم له و لأخيه الحسين عليه السلام و اشادته بهما كسيدين من سادة الجنة بل (سيدا شباب أهل الجنة) و قوله صلي الله عليه و آله و سلم بأحاديث صحيحة متواترة (الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة) و دعوة الناس لتوليهما و حبهما مما لا يمكن اخفاؤه.

و قد تمتع عليه السلام بمزايا روحية و خلقية و علمية نادرة، جديرة بسليل الرسالة و خريج مدرسة النبوة. و من كان جديرا بأن يكون سيدا لشباب أهل الجنة في الجنة، فانه جدير أن يكون سيدهم في هذه الحياة و علي هذه الأرض. و ليس استحقاقه ذلك لمجرد قرابته من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و لابد أن صفات استثنائية و حصانة خاصة ضمنت له هذا المركز. و أحاديث الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بشأنه و خصوصا حديثه هنا جديرة بالتأمل و الملاحظة فما كان الرسول ينطق عن الهوي، و انما كان ينطق عن الوحي و عن علم و اخبار أكيد عن الله سبحانه و تعالي.

و عندما نري حياته الحافلة المليئة بالأحداث و المزدحمة بزخم هائل من المفردات اليومية المتجهة بمجموعها مشكلة فرائض عبادية متصلة للتقرب من الله سبحانه، نري أن الاشاعة الأموية لطمس شخصيته و سجاياه لا تصمد أمام واقع هذه الحياة العظيمة.

(أخرج الحاكم عن عبدالله بن عبيد بن عمير قال: لقد حج الحسن خمسا و عشرين حجة ماشيا و ان النجائب لتقاد معه) [1] .

و قد ورد بأحاديث موثوقة عن صادق أهل البيت الامام جعفر بن محمد قوله


فيه: ان الحسن بن علي عليه السلام كان أعبد الناس في زمانه و أزهدهم و أفضلهم، و أنه حج خمسا و عشرين حجة ماشيا و قاسم الله تعالي ماله مرتين أو ثلاث مرات.

و ورد عن غيره أنه خرج من ماله مرتين و قاسم الله ماله ثلاث مرات.

و اذا ما ذكرت صلته بالله تعالي، و كيف كان يقبل علي فرائضه و عباداته، علمنا أنه كان لا يتيح لنفسه مزيدا من الوقت للاهتمامات الدنيوية العادية التي كان يأخذ بها الشباب المترفون من قريش أنفسهم، و أدركنا بطلان و زيف الاشاعات و الأكاذيب الأموية.

لقد كان الامام الحسن عليه السلام و هو يعيش في صميم الأحداث و المتغيرات المثيرة التي حدثت بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و يستوعب فحواها و محتواها و أغراضها، مشاركا فعالا في العديد منها و خصوصا خلال حكم عثمان و حكم أميرالمؤمنين نفسه و بعيد وفاته عليه السلام. و لا شك أن أميرالمؤمنين كان يعده لتولي المسؤولية القيادية الأولي في المجتمع الاسلامي، رغم علمه أن الأمور قد لا تصفو له كما لم تصف له هو عليه السلام. و ان الأحزاب التي دخلت بجبهة واسعة ضده بقيادة معاوية ربما ستصبح بوضع أفضل اذا ما غاب عن الساحة بوفاته. و هو ما حدث فعلا، كما أشارت الأحداث التي وقعت عقيب اغتيال الامام عليه السلام.

و قد رأينا كيف كان يسفر بين أبيه عليه السلام و بين عثمان ابان الأزمة التي نشبت في عهد هذا الأخير بسبب الانحرافات التي حدثت في عهده و رفضه تصحيحها و ابعاد ولاة السوء و حاشية السوء من أقاربه و مريديه. (و كان علي كلما اشتكي الناس اليه أمر عثمان، أرسل ابنه الحسن اليه، فلما أكثر عليه قال له: ان أباك يري أن أحدا لا يعلم ما يعلم، و نحن أعلم بما نفعل، فكف عنا! فلم يبعث علي ابنه في شي ء بعد ذلك) [2] .

و قد أرسل أميرالمؤمنين عليه السلام الحسنين يدافعان عن عثمان، و قد روي أن الحسن عليه السلام ممن نصر عثمان [3] و كان ذلك بأمر من أبيه.

و حتي هذا أمر استغله أعداء أميرالمؤمنين عليه السلام و قد أشاعوا أن الحسن عليه السلام عثماني الهوي و معني ذلك أنه قام بما قام به من السفارة بين أبيه و بين عثمان ثم الدفاع


عنه عند استفحال الفتنة و احتمال حدوث ما لا تحتمل عقباه بوحي من نفسه و أنه تصرف تصرفا شخصيا بحتا. مع أن الذي أرسله أميرالمؤمنين عليه السلام، لأنه رأي كما عبر عن ذلك - ان هذا القتل ان تم فانه سيفتح بابا للقتل و الفتن أمام الأمة لن يسد بعد ذلك. و هكذا كان حريصا بوحي من نظرته المبدئية و حرصه علي مستقبل المسلمين أن يمنع الفتنة جهد امكانه مع أنه يري أن الأحداث كانت تتسارع باتجاهها.

و لم يرو لنا كتاب واحد من كتب التاريخ أن الحسن عليه السلام كان يتصرف في هذه القضية خصوصا دون استلام أوامر محددة من والده عليه السلام.


پاورقي

[1] تاريخ الخلفاء ص 177.

[2] العقد الفريد 48 - 42 - 59 - 58 - 5 و تراجع مصادر أخري ذکرناها عند التعرض لمقتل عثمان کتاريخ الطبري و ابن‏الأثير و المسعودي و غيرهما.

[3] العقد الفريد 48 - 42 - 59 - 58 - 5 و تراجع مصادر أخري ذکرناها عند التعرض لمقتل عثمان کتاريخ الطبري و ابن‏الأثير و المسعودي و غيرهما.