بازگشت

امثلة و شواهد


و كان أبرز مثال حول ضرورة و جود الامام المعصوم ليقوم مسيرة الأمة تحت مختلف الظروف، وقوف الامام عليه السلام من عمر، و قد شاوره في الخروج الي غزو الروم بنفسه،فقد منعه الامام من السير اليهم بنفسه باعتباره يمثل الأمة أمام أعدائها، و قد يقتل من قبل هؤلاء الأعداء الذين لا بد سيستثمرون الحماس الذي قد يثيره قتله بين صفوفهم متي ما علموا أنه كبير المسلمين، و قد يتمكنون من احراز انتصارات أخري من شأنها أن تقضي علي الاسلام نفسه، و في ذلك ما فيه من خسارة كبيرة تكون نتيجتها تمزق المسلمين و خسارتهم أمام عدوهم. قال له الامام عليه السلام: (انك متي تسر الي هذا العدو بنفسك، فتلقهم بشخصك فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفه دون أقصي بلادهم ليس بعدك مرجع يرجعون اليه، فابعث اليهم رجلا محربا و احفز معه أهل البلاء و النصيحة. فان أظهر الله فذاك ما تحب، و ان تكن الأخري كنت ردءا للناس و مثابة للمسلمين) [1] .

و قال له أيضا، عندما استشاره لقتال الفرس بنفسه قوله السابق، و منعه من الذهاب اليهم باعتباره قيما بالأمر. و قد وضع الامام عليه السلام جملة من النتائج التي قد تترتب علي خروج عمر بنفسه الي مقاتلة الفرس و منها احتمال قتله، مما يؤدي الي تفرق المسلمين و عدم امكان عودتهم الي ما كانوا عليه من النظام و الالتزام، و منها احتمال انتفاضة العرب و تمردهم عليه اذا ما ترك مقر الخلافة الي ذلك المكان البعيد. (و مكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه و يضمه، فان انقطع النظام، تفرق و ذهب ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا. فكن قطبا و استدر للرحي بالعرب و أصلهم دونك نار الحرب، فانك ان شخصت من هذه الأرض انتفضت عليك العرب من أطرافها و أقطارها حتي يكون ما تدع وراءك من العورات أهم اليك مما بين يديك). [2] .


و كان بعض الذين يتملقون عمر في الظاهر و يكنون له العداوة في الباطن قد أشاروا عليه بالذهاب بنفسه الي ساحة المعركة.. و قد أخذ عمر برأي الامام مدركا صوابه و صحته و واقعيته.

و هنا لا نري الدور السلبي المنطلق من موقف الحقد و الكره الذي قد يتصوره البعض و يحاول الصاقه بالأئمة، من الزعامات التي سيطرت علي الحكومة الاسلامية، مع أن بعض المواقف قد تبدو سلبية بنظر البعض، عندما كانت صراحة الأئمة تبدو و كأنها محاولات مجردة للانتقاص من قيمة المتخلفين عندما لا يستجيبون لطلبات الأمة و رغباتها و يتعمدون الانحراف و الخطأ. مع أن مواقف الأئمة كانت تستهدف التقويم و التصحيح لا التشهير و التنكيل.

و لو كان معاوية مكان الامام عليه السلام في هذين الموقفين، و يري لنفسه، الحق في الخلافة بدلا من عمر، و استشاره هذا في الذهاب لغزو الروم أو قتال الفرس بنفسه. ماذا كان سيشير عليه في هذه الحال؟.

لا شك أن الذين يميلون الي معاوية أنفسهم و يتبنون مواقفه سيجيبون بسرعة و دون روية قائلين: أنه كان سيشير عليه أن يذهب و يحسن له ذلك.. فربما قتل هناك، و هذا ما يريده معاوية و يتمناه حيث سيتخلص منه و سيخلو له الجو. و ربما عمل هو نفسه علي اثارة العرب من أطرافها و أقطارها بعد أن يذهب عمر لقتال الفرس أو الروم.

فلماذا لم يفعل الامام عليه السلام ذلك، و هذه فرصة جيدة يخلو له فيها الجو و قد يقتل فيها عمر؟.

انه لم يفعل ذلك لسبب بسيط أوضحه في جوابه لعمر نفسه. فقد أراد أن لا ينقطع النظام و تتفرق الأمة، ثم لا تجتمع أبدا. و هو ينطلق من شعوره العالي بمسؤولية الحفاظ علي وحدة الأمة و تماسكها. و لا يهمه ان كان هو الحاكم أو غيره - مع أنه الأحق بهذا المركز - ما دام الحاكم يستجيب لبعض ما يراه الامام له، و لا يصر علي الخطأ، و ما دام الامام في موقع يمكنه أن يقوم المسيرة و يصحح الانحراف اذا ما وقع. و ما دام تأثيره علي الأمة لا يزال قويا و هو خارج اطار الحكم و موقع السلطة.


فوجود الامام بين الأمة، لا بد منه لضمان سلامة مسيرة هذه الأمة و عدم وقوعها في الخطأ و الانحراف، و حياته ضرورية و لازمة للأمة، و غيابه سيجعلها تروح في متاهات بعيدة و تكون عرضة للانزلاق و الوقوع في أحضان الكفر و الشرك ثانية و الابتعاد النهائي عن الاسلام و عدم عودتها اليه ثانية.

و كان أول من عبر عن ضرورة وجود الامام بين الأمة هو رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه ثم أميرالمؤمنين و الأئمة بعد ذلك.


پاورقي

[1] نهج‏البلاغة 316 - 305.

[2] المصدر السابق.