بازگشت

صلح الحسن استمرار لمسيرة اميرالمؤمنين


كان صلح الامام الحسن عليه السلام مع معاوية من أكثر أحداث التاريخ الاسلامي اثارة للجدل والخلاف حتي بين بعض أولئك الذين يتبنون خط آل البيت عليه السلام و منهجهم. و قد رأي فيه العديدون أمرا مغايرا لما فعله أميرالمؤمنين عليه السلام من قبل، و ما فعله الحسين عليه السلام بعد ذلك. اذ كيف يقاتل اميرالمؤمنين عليه السلام معاوية، بل يمضي فترة حكمه كلها مقاتلا له و حتي ساعة استشهاده و يري فيه شيطانا رجيما من شياطين الانس، و كيف يثور الامام الحسين عليه السلام علي النظام الأموي ممثلا بيزيد، الذي هو نتاج معاوية و نسخة مكرورة منه - باستثناء المكر و الدهاء الذي اشتهر به - و يمضي في ثورته الي حد الاستشهاد في ملحمة لم يشهد لها التاريخ الاسلامي و تاريخ العالم مثيلا، بينما (يهادن) الحسن عليه السلام معاوية و (يسلم) اليه مقاليد المسلمين و أمور الخلافة و يؤثر السلام علي الحرب؟.

و لفهم هذا الأمر علينا أن نحيط ببعض الأمور الأساسية، منها:

1- طبيعة مهمات الامام الحسن عليه السلام بين أبناء الأمة، و مدي مسؤولية لتصحيح الانحرافات القائمة و المتسارعة فيها.

2- واقع الصراع بين الأموية والاسلام ثم بين اميرالمؤمنين عليه السلام و معاوية.

3- الواقع التاريخي لميدان الصراع و عناصره، و طبيعة الأحداث التي مرت بها الأمة، و ما يمكن أن يجره هذا الصراع لو استمر بين الامام الحسن عليه السلام و معاوية الي النهاية.

و بدون الاحاطة بهذه الأمور، فاننا سنظل مختلفين و حائرين بشأن الصلح و لن نتمكن من الوصول الي قرار نهائي بشأن هذه المسألة التي تثير شجون البعض، و شماتة البعض الآخر، شجون المحبين الذين قد يرون من الامام عليه السلام تنازلا و استسلاما، و شماتة القالين المبغضين الذين يرون في ذلك نصرا حاسما لمعاوية.

و قد يشتط هؤلاء الأخيرون الي حد الذهاب الي أن معاوية كان محقا، حتي


و هو يخرج علي اميرالمؤمنين عليه السلام و يقارعه، و أنه لو لم يكن كذلك، و لم يكن يتبني قضايا عادلة لما هادنه الامام الحسن عليه السلام بعد ذلك. اذ ليس من المعقول - بنظر هؤلاء - أن يسلم الامام الحسن الخلافة لمعاوية و لا يمضي في حربه الي النهاية الي حد الاستشهاد و نهاية الحياة كما أراد أن يفعل أبوه عليه السلام من قبل و كما فعل أخوه عليه السلام من بعد.

و اذا ما طرحوا المسألة للنقاش (الموضوعي) و تنازلوا و اعترفوا بوحدة دور الأئمة و مركزهم القيادي في الأمة، و تساءلوا: أليس شعورهم بالمسؤولية شعورا واحدا ينبع من وضعهم الدقيق كأئمة و قادة لهذه الأمة؟ فلماذا التباين في الأدوار؟!.

و هذا أفضل طرح يمكن أن يسمعه المسلمون عن المسألة، اذا لم يتماد آخرون، متبنين موقف معاوية منذ البداية، مثيرين التساؤلات و الأقاويل و الأكاذيب المضللة التي من شأنها أن تصور الأمر لصالح معاوية و حزبه جملة و تفصيلا، بعد أن فعل معاوية ذلك و فعله (الخلفاء) الأمويون بعد انفرادهم بالسلطة و الحكم.

و قد كان معاوية يري نفسه (موفقا) في هذا الأمر منذ البداية، حينما كان كل شي ء مكرسا لتنفيذ خططه أيام حكمه، و قد (نجح) في تحريض المسلمين علي أميرالمؤمنين عليه السلام الي حد قيامهم بسبه علي منابر الاسلام لمدة تقارب الألف شهر - و هي مدة حكم الأمويين - و جعل سبه سنة يشب عليها الصغير و يشيب عليها الكبير. الأمر الذي جعل الامام عليه السلام نفسه يسمح لمن يتعرض لضغوط الدولة الظالمة أن يسبه في العلن، و لكن علي أن لا يتبرأ منه (فأما السب فسبوني، فانه لي زكاة و لكم نجاة، و أما البراءة فلا تتبرأوا مني، فاني ولدت علي الفطرة، و سبقت الي الايمان و الهجرة...) [1] .


پاورقي

[1] نهج‏البلاغة 159.