بازگشت

انني أشكو اليوم حيف رعيتي


كأنني المقود و هو القادة

لقد أعوز الامام عليه السلام الجند الذين يحملون فكرته و يندفعون بنفس حماسه لتصفية خصوم الاسلام، دون أن يتلكأوا و يجادلوا و يناقشوا و يطرحوا المزيد من التساؤلات حول جدوي الحرب مع معاوية و الظاهرة الأموية التي أصبحت ملاذا للمتكاسلين و المتهاونين و الضعفاء و أعداء الاسلام. و برروا قعودهم عن نصرة الامام بمختلف التبريرات التي عرضنا قسما منها و التي يعود أغلبها الي سأمهم من القتال و المسير المتكرر الي الشام و غيره، و كانت الأموال الأموية عاملا علي تغيير أفكار العديدين و جعلهم يرون في الدين الأموي، الدين الأصلح الملائم و العملي، و أن أتباع معاوية مسلمون مثلهم و أن لا جدوي من الحرب، و كانت مهزلة التحكيم خاتمة المصائب التي أودت بوحدة المسلمين و اجتماعهم. بينما اندفع أصحاب معاوية خلفه دون روية أو تفكير أو سؤال و من دون اثارة أي خلاف، مقتنعين به قناعة تامة مسلمين اليه أمورهم و رقابهم. و هذا ما جعل الامام عليه السلام يشكو شكوي مرة من هذا الوضع، فهو لم يستطع أن يجبر الناس بالقوة و الحيف و أساليب القمع و الرشوة. فممثل الاسلام الحقيقي لم ينتهج غير أساليب الاسلام و لم تكن هذه وحدها أمام


الاغراءات الأموية و الأساليب الأموية قادرة في المرحلة التي استدرجت فيها الأمة الي الانحراف علي الصمود بوجه تلك الأساليب الماكرة الخبيثة البعيدة عن الاسلام و قيمه. (ان كانت الرعايا قبلي لتشكو حيف رعاتها و أنني اليوم لأشكو حيف رعيتي كأنني المقود و هو القادة أو الموزوع و هم الوزعة) [1] .

كانت مهمة الامام عليه السلام تتمثل بايجاد و اعداد و تربية جيل جديد يؤمن بأهداف الرسالة الاسلامية و يحمل تصورا اسلاميا صحيحا لا يغلفه غبار الشك أو غبش الخلاف و الجدل العقيم و التردد.

و قد وجدنا أن أقوال الامام كانت تنحي بهذا الاتجاه بأكثر من مناسبة، و كان تقريع أصحابه و توبيخهم أحيانا لا يستهدف منه سوي تنبيههم الي أخطائهم بعد تشخيصها أولا ثم عبورها و تجاوزها فيما بعد. كان يريد لتلك الطليعة المسلمة الجديدة أن تستسهل ترك ديارها و أهليها و كل عزيز عليها للدفاع عن الاسلام. و كان يريد لتلك الطليعة أن تبرز و تتجدد و تظهر لا في زمنه هو فقط، بل حتي في الأزمان اللاحقة، مهما تطاولت هذه السنين و ابتعدت، ليكون مقياس الانتماء الي الاسلام هو الانشداد اليه و الرغبة في التضحية من أجله، سواء أتيحت تلك الفرصة للتضحية أم لم تتح. و لا يهم متي يكون ذلك.


پاورقي

[1] نهج‏ البلاغة ص 719.