بازگشت

اساليب جاهلية لمواجهة الاسلام ثانية


لقد كان معاوية يقف (كمعارض) صاحب حق و قضية في وجه الامام، و اذا ما أضيف اليه مجموعة الطامعين في الخلافة و الحكم و وجهاء قريش و العمال و المنتفعين السابقين الذين يخشون من تجريدهم امتيازاتهم و أموالهم التي حصلوا عليها دون وجه حق، و المتفقهين و المتعلمين و رواة الأخبار و المفسرين و القصاصين و (الصحابة)، و بعض وجوه قريش التي رأت في الامام عدوا تقليديا لها و الخوارج و أضرابهم و القوي و الأحزاب السياسية. رأينا كم كان ذلك العصر حافلا بعناصر الفتن و الخلاف، تلك الفتن التي تزامنت مع بداية استلام الامام مسوولية الخلافة.

و قبل اغتيال الامام عليه السلام و كانت الشام و ما حولها ممهدة لمعاوية، حاول معاوية استمالة كل من لمس لديه استعدادا لمناوأة الامام و حربه، ثم استغل الثروات التي تركزت في يديه لاستمالة وجوه الناس و الأشراف و رؤساء القبائل و القادة العسكريين و غيرهم و مهد بمختلف الوسائل لتركيز الحكم في ذريته و التمهيد لخلافة يزيد في مبدأ الأمر. كما عمل علي بعض العصبيات القبلية لجعلها مراكز قوي متنافسة فيما بينها غير أنها تدين بالولاء له شخصيا.

ان توزيع مراكز القوي بين القبائل، بعد انتزاعها من الاسلام كمركز قوة وحيد، عمل علي بعث و احياء النظرات الجاهلية العصبية التي حاول الاسلام اماتتها و محوها لأن من شأنها أن تضع المسلمين في خضم النزاعات و الفتن و الحروب. و قد دعا الامام عليه السلام كما دعا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الي الحذر من الوقوع في هذا الأمر الذي وقع فيه من كان قبلهم، فلم يجنوا منهم غير المصائب و الويلات و الفرقة.

لقد عالج معاوية أمر الأحوال التي اضطربت في عهد الامام عليه السلام و كان هو شخصيا أحد مسببيها و محركيها، معالجات لم يكن أحد يستطيع أن يصفها أنها تنطلق من منطلق اسلامي بحت بأي حال من الأحوال. و قد رأينا الأسلوب و العقلية التي عالج بها أمور دولته بعد وفاة الامام عليه السلام و قبل ذلك أيضا.

اننا نستطيع القول ان معظم أولئك الذين وجدوا لأنفسهم عذرا في الخروج علي الامام قد سكتوا أمام جور معاوية و استسلموا له بل و ساعدوه علي ارساء دعائم


دولته، بفضل ما قدم لهم من أموال و مناصب، و ما استعمله من وسائل مميتة مع المعارضين الحقيقيين لاسكاتهم وردع غيرهم عن سلوك طريق المعارضة و الخصومة.

لقد كانت مهمة معاوية ابعاد المسلمين عن الاسلام، و ارساء نظام طاغوتي هجين ليس له من الاسلام الا اسمه، نظام له قواعده و أسسه الأرضية البحتة، و قائم علي تجارب أنظمة طاغوتية قديمة أتيح لبعضها استغلال الدين لصالحها كما استغل هو الاسلام.

و قد كانت الحواضر الاسلامية بسبيلها أن تكون مثل الشام في أواخر عهد معاوية و بداية عهد يزيد. فحكم يزيد القصير ليس الا امتداد لحكم معاوية الطويل. و نعيد هنا ما ذكره المسعودي بشأن الفساد الذي عمها في تلك الفترة (قد غلب علي أصحاب يزيد و عماله ما كان يفعله من الفسوق، و في أيامه ظهر الغناء بمكة و المدينة و استعملت الملاهي و أظهر الناس الشراب) [1] .

و لم يكن الأمر بالهين أن يصل حال مدن كالمدينة و مكة الي الحال الذي وصلت اليه في عهد يزيد، و لابد أنها قد استدرجت قبل ذلك الي هذا الحال. و قد روي لنا المؤرخون أن بوادر ذلك بدأت أن تظهر منذ عهد عثمان و قد استفحلت في عهد معاوية الذي غض النظر عن كل ممارسة من هذا النوع فيها بعد عن الاسلام بل رويت لنا أقاصيص عن ولعه بما كان يزيد مولعا به. غير أنه كان يتستر و لا يظهر ما أظهره يزيد فيما بعد. و لابد أنه كان أمرا محسوبا و مخططا له بعناية أن يترك الناس الدين و يهملوه و لا يجعلوا له الأولوية من اهتماماتهم و لا يعودون يهتمون الا يشؤونهم الحياتية المعيشية البسيطة التي ألف أسلافهم أن يمارسوها قبل أن يمن الله عليهم بنعمة الاسلام.


پاورقي

[1] مروج الذهب ص 82.