بازگشت

انفراج زاوية الانحراف


ان الخروج البسيط الذي أقدم عليه المتقدمون علي معاوية بشأن العطاء، و الذي لم يكد يلاحظ أول الأمر، جعلت معاوية أكثر جراة علي التمادي بغي منقطع النظير. كما جعل ذلك العديدين من أمثاله فيما بعد يستسهلون الاقدام عليها باعتبارها سابقة معمولا بها. و لم يجعل معاوية بنظر هم مخطئا لأنه مهد الطريق أمامهم، و ربما أضافوا هم من الشرعية ما لم يكلف نفسه به. و ربما لم يروا بما قام فيه ما يمكن أن يقلل قيمته في نظرهم كصحابي! و صهر لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و كاتب للوحي و أمين الله و مهديه. الخ.!! و حاول بعض فقهاء الدولة المأجورين - فيما بعد - و تحت ظل (قادة) من أمثال معاوية التقليل الي أقصي حد مما قام به (عن الفضيل بن عياش أنه كان يقول: معاوية من الصحابة من العلماء الكبار، ولكن ابتلي بحب الدنيا) [1] فهي مسألة بسيطة، مجرد ابتلاء بحب الدينا، لم يجر المآسي علي الأمة كلها، و هذا لا يغض من قيمته كعالم كبير (و لم يعمل بعلمه بالطبع، و هذا لا يهم أيضا) و لا يقلل من آثار أفعاله الشنيعة في الاسلام و المسلمين و قد تسلط عليهم جميعا و أصبح المتصرف الوحيد بأمورهم و حياتهم و مقدراتهم.

و قد غضب آخرون لمجرد أن قام أحد الناس بالمقارنة بينه و بين عمر بن عبدالعزيز؛ الذي لم يكن بقية بني أمية يقاسلون به بأي حال من الأحوال، فقد (سئل المعاض بن عمران أيهما أفضل؟ معاوية أو عمر بن عبدالعزيز؟ فغضب، و قال للسائل: أتجعل رجلا من الصحابة مثل رجل من التابعين؟ معاوية صاحبه و صهره و كاتبه، و أمين علي وحي الله و قد قال صلي الله عليه وآله وسلم: «دعوا لي أصحابي و أصهاري، فمن سبهم فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين») [2] هذا لمجرد أن أحدهم تجرا و سأل أيهما أفضل... و لم يسب و لم يتعرض و كانت تلك الغضبة المضرية من المعاض بن عمران بوجه السائل عن (أمين الله علي وحيه) معاوية. فهل لم يكن علي عليه السلام من أصحاب الرسول؟ و هل لم يكن زوج البتول؟.

و هل لم يكن أولهم اسلاما، و أقدمهم ايمانا؟.

تري ما هو موقف المعاض ممن أقدم علي سبه ألف شهر من علي منابر


المسلمين..؟ و هل كان سيقدم علي اشهار حديث الرسول صلي الله عليه وآله وسلم - الموضوع بلا شك - بوجه من يقدم علي سب أخ الرسول صلي الله عليه وآله وسلم نفسه.؟ أم أنه حديث خاص بمعاوية؟.

ان كره أولئك الذين وقفوا موقف معاوية المعادي نفسه من الامام عليه السلام لم يكن دون مبرر من قبلهم. فلابد لتمريره من تبريره. و لابد من تحسين و تضخيم الطرف المعادي الذي تحزبوا له أولا، و هو معاوية. ثم يبرروا سلوكه و مواقفه. و لما كان هؤلاء من المحسوبين علي العلماء فان كثيرا من الناس ينخدعون بهم و يتبنون مواقفهم بعفوية و تلقائية المتلقي عن العلماء التقاة و كما قلنا في هذا الفصل، لعل للمواقف المسبقة المتبناة من قبل الآباء أثرا كبيرا في ذلك.

هل من المعقول أنه لا يزال أناس لحد الآن يقفون حائرين بين علي و معاوية، رغم الحوادث التي تكشفت لهم و الوقائع التي ليس بصحتها شك؟ و رغم الدمار الذي ألحقة معاوية بالاسلام. و رحم الله سليمان بن عيينة الذي قال: (ما كانت في علي خصلة تقصر به عن الخلافة و لم يكن في معاوية خصلة ينازع بها عليا) [3] .


پاورقي

[1] البداية و النهاية 142 - 8.

[2] نفس المصدر.

[3] المصدر السابق ص 132.