بازگشت

مقولة فرعون الدائمية، أنا ربكم الأعلي


ان فرعون و أضرابه، يتجاوزون علي المثل الأعلي السماوي بعد أن أوهموا الناس في البداية أنهم مؤمنون مثلهم بهذا المثل اذا ما حصل ان كان هذا المثل هو المثل الأعلي السائد و المسيطر علي الساحة، ثم يحاولون الوثوب عليه أو تناسيه أو تسخيره و تطويعه ليكون في خدمتهم اذا ما كان كهنة هذا الدين و أحباره قابلين للشراء و المساومة.

انهم يحاولون الحلول محل المثل الأعلي السماوي اما بالتصدي لأتباعه منذ البداية و محاربة الأنبياء و الرسل بمختلف الذرائع و الحجج التي ذكر لنا القرآن الكريم طرفا منها، أو بمناذلة المؤمنين برسالاتهم و تصفيتهم و استئصالهم أو محاولة تطويعهم و كسبهم بمختلف الطرق التي يرونها مناسبة و التي يمتلكونها بحكم ما تتيحه لهم سلطاتهم المطلقة من أموال و أعوان و غير ذلك.

ان القيصرية أو الهرقلية عندما اعتنقت المسيحية رسميا، لم تنضم بالفعل تحت لواء المسيحية، بل حاولت أن تنضم المسسيحية نحو لوائها هي، و عندما أوشكت الحالة أن تسبب مواجهة حقيقة، مسحت هذا المسيحية من علي خارطة العالم الأرضي، و جعلت اختصاصها (ملكوت السماء). أما (ملكوت الأرض)، فأصبح من اختصاص القيصر يتحكم به كيفما يشاء. و هكذا أعيدت كتابة الانجيل و (تصحيح) عباراته و تعديلها لتلائم رغبة القيصر المسيحي، و صرح كاتبوها بعد سنوات طويلة من ظهور السيد المسيح و اختفائه أن أعط ما لقيصر لقيصر و ما لله لله. و قد فصلوا بين سلطان قيصر و سلطان الله، و أرادوا الله أن يتحكم في ملكوته السماوي فقط و لا يتدخل بشؤون الأرض. و أرادوا له أن يكون قيصرا في السماء، و اذا ما تجاوز صلاحياته و حاول التدخل بشؤون قيصر الأرض فان قيصر الأرض من حقه أن يستخدم في هذه الحالة صلاحياته علي أوسع نطاق و يطهر مملكته من كل من يحاول المساس بها أو التدخل بشؤونه.

و لا يدري أحد كيف وصل الأمر الي هذه الحالة بالضبط، غير أنها تعززت عندما ضعفت مملكة (قيصر) في ممالك الغرب كلها، و أصبح الملوك و الأباطرة الغربيون بمختلف ألقابهم و مسمياتهم التي حملوها منقادين لحماس ديني موقت لنشر (دينهم) في أرجاء الأرض في حملات صليبية عالمية، قامت وراء طموحات قيصرية بحتة و أطماع استمارية و تعصب عرقي للجنس الأبيض، و راح الكهنة و رجال الدين،


يتصدرون زعامة الأمة المسيحية من جديد ثم امتد سلطانهم بعد ذلك، و بعد فشل الحملات التي دامت فترة طويلة، ليقوموا بالتدخل المباشر في شؤون الحكم و الحياة. هذه الحياة التي لا يمتلكون أسبط المقومات لقيادتها، و التي تتعارض معطياتها و حقائقها مع المفاهيم الدينية الهزيلة التي يتبونها. بعد أن تكشفت العديد من الحقائق العلمية أمام المسيحيين و هم يجتازون عصورهم المظلمة، بفضل (أعدائهم) المسلمين ذوي الحضارة الفاعلة العريقة. عند ذلك التفت (قيصر) و التفتت وراءه الناس ثانية للخلاص من قيصر السماء و اعادة تحجيمه ضمن الكنائس و الأديرة، و ظل قيصر يحتكر سلطان الأرض كله. فهو (قيصر) تارة و هو (فرعون) و هو (هرقل). و سيظل هكذا مهما كانت المسميات، لكنه مع ذلك ظل يزين عرشه بالطقوس و الثياب و الزخارف و رجال الدين الذين ارتدوا هذه الثياب المزخرفة، ليضل هذا العرش (مقدسا) مهابا جميلا عظيما في أعين الرعية. أما قيصر السماء فما عليه الا أن يستسلم لسلطته الزمنية و لا يحاول التدخل في شؤونه ثانية.

و كذلك فعل هرقل و فعل كسري. و قبلهم جميعا فعل فرعون ذلك، و كان هذا دأبه علي مر العصور.