بازگشت

لامكان الا للهوي و المصالح الشخصية


و لا شك أن هذه المعايير و المقاييس و الموازين قد وضعت و أنزلت يتنسيق تام دقيق لتنظيم حياة الانسان علي الأرض، و ليس هناك الا معني واحد للخروج عليها، و هو اتباع الهوي الطاغي في كل شي ء، و نسيان كل ما عداه، فهو وحده المتحكم و المسيطر و الموجه، و اذا ما بلغ هذه الحالة فانه يخرج عن نطاق الانسانية الملتزمة المقيدة بالأنظمة و القوانين، الانسانية المتأملة المتدبرة الواعية المدركة، و يتراجع الي درك الأنعام التي لا تفقه شيئا و لا تعقل و لا تفكر (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ان هم الا كالانعام بل هم أضل سبيلا) [1] لأن الأنعام ربما كانت تعمل بوحي الغريزة التي تجعلها لا تخطي ء أحيانا، أما الانسان فبخطئه المتعمد و وضعه كل الموازين و القيم و المعايير الالهية المنزلة الواضحة المبينة جانبا، فانه يضل و ينحرف و يضيع و يضيع غيره، فكأنه كان أضل سبيلا من هذه الأنعام التي لا تسمع و لا تعقل.

هذا هو حال الفرد عندما يحكم هواه و يجعله الهه، و هذا هو حال المجتمع أيضا عندما يحكم هذا الهوي، يصبح كقطيع من الأنعام لا يعرف سبيله و لا يهتدي الي طريقه أو مصلحته الحقيقية.

لقد كان التعبير القرآني عن (الهوي البشري) حينما يسيطر و يطغي، بأنه اله، تعبيرا دقيقا موحيا للعديد من الاشارات الدقيقة الحاسمة، فهو عندما يتخلي عن الهه الحقيقي، فلابد له من اله آخر يبرر له تصرفاته و اندفاعاته، و لا شك أنه لا يوجد لها من مبرر سوي الهوي الذي أراده أن يقوم مقام الاله الحقيقي موجها و قائدا و حاكما مطلقا لا تنفع معه الموازين و المعايير و المقاييس التي من الفروض أن يأخذ بها و يسير علي أساسا (خصوصا اذا ما ادعي أنه ممثل خالق تلك الموازين و المعايير و المقاييس


و التشريعات و خليفته و خليفة رسوله المنزل صلي الله عليه وآله وسلم. و الا فأي مبرر سيجده - كما قلنا - للخروج عليها و استبدالها بأخري من وضعه و انشائه؟.

الهوي لا يعرف منطقا و لا حجة و لا ينحني أمام العقل و البرهان و التجربة و الدليل.

كما أن هذا الهوي لم يكن مقررا له أن يكون هو المسيطر علي تصرفات الانسان، و لم تكن التشريعات و القيم الدينية المتمثلة بالاسلام هنا الا كوابح و مصدات أمام هذا الهوي الذي اذا انطلق دون رقابة أو قيود، فانه سيصطدم بهوي الآخرين و رغباتهم و مصالحهم، و ستتولد عنه حالة دائمية من الصراع و عدم الانسجام، و تضارب المصالح و التصادم سيؤدي الي الاقتتال، و سيجعل المحيط الاجتماعي غابة تنتشر فيها (الأنعام) القوية و الضعيفة دون ضوابط أو نظام، و ما دام هذا الهوي قد أصبح هو الآمر المطاع الموجه، فقد أصبح هو المعبود الحقيقي من دون الله الاله الحق كما يقول السيد الشهيد، فان القرآن (عبر حتي عن الهوي بأنه اله، حينما يتصاعد هذا الهوي تصاعدا مصطنعا، فيصبح هو المثل الأعلي، و هو الغاية القصوي لهذا الفرد أو لذاك. فالمثل العليا بحسب التعبير القرآني هي الهه في الحقيقة، لأنها معبوده حقا، و هي الآمرة الناهية حقا و هي المحركة حقا، فهي آلهة في المغهوم الديني و الاجتماعي) [2] .


پاورقي

[1] الفرقان 44.

[2] المدرسة القرآنية 147.