بازگشت

خلافة أم عبث


كان معاوية أول من أعلن تخليه عن أي التزام الهي بخصوص منصب الخلافة، فهي مجرد منحة أو نعمة أنعمها الله عليه دون الآخرين و برغمهم، كما أنه قد أعلن أيضا (أنا أول الملوك و آخر خليفة) [1] فكأنه هنا يقول: وداعا للخلافة و وداعا للاسلام. بدأ بي عهد الملكية المطلقة، و لست ملزما بأي عقد الهي. انه بذلك كما أوضحنا يمهد ليزيد و أولاد يزيد و أحفاده لكي يستلموا السلطة دون أن يضعوا في أذهانهم أي اعتبار لأي عقد ملزم لخليفة الله و خليفة رسوله، بل خاتم رسله صلي الله عليه وآله وسلم علي هذه الأرض.

و لا يحسبن أحد أن معاوية يبعثر كلامه و أقواله هكذا جزافا، فهو ليس شخصا عاديا غبيا بل أن يتمتع بمميزات كبيرة و قدرات استثنائية. غير أنه، اذا ما أردنا أن نقلل من شأن جرائمه و انحداره (ابتلي بحب الدنيا) [2] علي حد تعبير الفضيل بن عياض.

فمعاوية هنا ينصب نفسه (خليفة)، لا وفق الشرط الالهي و التصور الاسلامي و انما وفق تصور شخصي ذاتي مبتدع مبتكر قائم علي مصلحته و مصلحة عائلته. و كان بذلك متخذا الهه هواه و رغباته و نزعاته الخالصة نابذا و تاركا كل ما أنزل الله. كما أشار القرآن الكريم الي هذه الحالة اشارة عجيبة دقيقة بأسلوب متسائل مستنكر: (أرءيت من أتخذ الهه هواه أفأنت عليه وكيلا).


(و هو تعبير عجيب يرسم نموذجا عميقا لحاله نفسية بارزة، حيث تنفلت النفس من كل المعايير الثابتة و المقاييس المعلومة، و الموازين المضبوطة، و تخضع لهواها و تحكم شهواتها و تتعبد ذاتها، فلا تخضع لميزان و لا تعترف بحد و لا تقنع بمنطق، متي اعترض هواها الطاغي الذي جعلت منه الها يعبد و يطاع) [3] .


پاورقي

[1] ابن کثير البداية و النهاية ص 144 - 137 - 134.

[2] في ظلال القرآن، م 5، ص 2566.

[3] في ظلال القرآن - سيد قطب م 5 ص 2566.