بازگشت

راوا الاسلام بعيني معاوية


و لو فرضنا أن معاوية كان منذ مطلع عهده يحكم مجتمع المدينة أو مكة بدلا من مجتمع الشام، فانه ما كان ليجد في هؤلاء المحدثين و الفقهاء ورواة الأخبار و الدهاة و المكرة أية فائدة. اذ ما كانت تنطلي علي هذا المجتمع الذي عاصر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و عاش في ظله و فهم الاسلام عنه، و لعاد معاوية خاسرا بكل جيشه المسخر هذا، لكنه مع مجتمع الشام نجح الي حد بعيد في التمهيد لارساء تصوراته و آرائه و التمهيد لبقائه و بقاء سلالته من بعده علي سدة الحكم عندما استعان بهؤلاء المأجورين الذين كان لبعضهم بعض التأثير بحكم معاصرتهم لعهد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم و كانت مجموعة المنافقين هؤلاء هي التي وصفها الامام عليه السلام خير وصف بقوله: (رجل منافق مظهر للايمان، متصنع بالاسلام، لا يتأثم و لا يتحرج، يكذب علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم متعمدا، فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه، و لم يصدقوا قوله، و لكنهم قالوا: صاحب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم رآه و سمع عنه،... فيأخذون بقوله، و قد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك، و وصفهم بما وصفهم به لك، ثم بقوا بعده، فتقربوا الي أئمة الضلالة، و الدعاة الي النار بالزور و البهتان، فولوهم الأعمال، و جعلوهم حكاما علي رقاب الناس، فأكلوا بها الدنيا، و انما الناس مع الملوك و الدنيا، الا من عصم الله، و لقد كذب علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في عهده حتي قام خطيبا فقال: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) نهج البلاغة 326 - 325.

و قد رأينا كيف أنه أمدهم بكل ما كانوا يطمحون اليه من مال و جاه في سبيل تجنيدهم لهذه الغاية لقد كان معاوية مراقبا حذرا و مستطلعا ماهرا لكل تحركات الأعداء، فلم يكن يتحرج أن يواجهه بعض هؤلاء بمثالبه و نقائصه، بل كان يضحك و يفتخر بسكوته و حلمه عليهم، و ربما كان يريد أن يعرف مدي ما أحرز من نجاح و يعرف نقاط الضعف عند أعدائه، و هل لا يزالون علي ولائهم القديم للامام عليه السلام و هل لا يزالون يحقدون عليه هو شخصيا، ليعمل حسابه في المستقبل بعد جس نبض هؤلاء الأعداء؛ و كتب التاريخ حافلة بالنصوص التي تذكر لنا ذلك متعجبة من حمله وسعة صدره و دهائه.!!.


لم يكن معاوية بالانسان البسيط الساذج يأخذ الأمور علي علاتها، و لم يكن بالانسان المستقيم الذي لا يري أمامه سوي شريعة الله، و انما كان انسانا دنيويا بكل معني الكلمة، لا يمت الي قيم الاسلام الا بالقدر الذي يحقق فيه مصالحه عن هذا الطريق.