بازگشت

مملكة واسعة.. اقتطعت لمعاوية في عهود الخلفاء السابقين


فبعد الفتوحات الاسلامية العديدة، و منها فتح الشام نفسها، و انشغال المسلمين بأمور الخلافة بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مباشرة، و ما رافقها من ملابسات، و امتداد رقعة العالم الاسلامي و وجود الحزب الأموي أو الجبهة الأموية كقوة لا يزال لها نفوذها و تأثيرها الاجتماعي و الأدبي علي فئات كبيرة من الناس و تأييد قريش لها، و ارتفاع نغمة هذه الأخيرة ثانية و تعدد مراكز القوي فيها، كان لابد من امتصاص بعض القوي التي قد تشكل خطرا لو ظلت سائبة و لم تأخذ دورا في هذه الدولة الناشئة التي غاب عنها قائدها الأول صلي الله عليه وآله وسلم. و قد رأينا كيف كان رد فعل عمر من أبي سفيان عندما أراد مبايعة الامام عليه السلام، و كيف أشار علي أبي بكر أن يترك ما بيد أبي سفيان له، و هي أموال استحصلها الأخير لبيت المال، و ذلك بقصد كسب وده أو أبعاد شره علي الأقل. و يبدو أن اللعبة أو المساومة لم تفت أباسفيان، التاجر الذكي الحاذق الذي يحسب لكل شي ء حسابه و الذي ألف المساومة و المطاولة و الذي يري من يتعامل معه


أنه يقبض منه القليل مهما منحه، فقد أراد حصة من هذه الغنيمة، ليس له وحده، فسمعته المكشوفة و ماضيه المعروف لكل الناس، لم يكن يؤهله لأي منصب في الدولة الاسلامية، و انما لأولاده علي الأقل! اذ لم يكن أحد يعرف عنهم ما عرفه عنه، و هو العدو الدائم للرسول صلي الله عليه وآله وسلم و للاسلام.

ليس لأحد أن يبرر وضع يزيد بن أبي سفيان واليا علي الشام من قبل أبي بكر ثم من قبل عمر و اقرار معاوية بعده من قبل عمر الحازم الشديد و عدم محاسبته دون عماله جميعا و الذين كان يأخذهم علي كل صغيرة و كبيرة. و قد وجد معاوية المبررات (المقنعة) لعمر دائما لكي يسامحه علي الخروقات الكبيرة التي كان يقوم بها مثل مظاهر الفخامة و الأبهة و الاستئثار ببعض الأموال و صرفها بغير وجهها المطلوب، و كان اقرار عمر لمعاوية رغم خروجه المتعمد علي بعض قواعد التصرف الاسلامي المطلوب و سكوته عنه يتيح لعثمان فرصة التغاضي عنه نهائيا و عدم محاسبته علي الاطلاق، و غض النظر لا عن الخروقات أو الخروج التمهيدي المتهيب و الحذر عن بعض المبادي ء الاسلامية، بل عن بعض التجاوزات الكبيرة التي أصبح يعلن عنها دون خوف أو وجل مما كانت أحد أسباب النقمة علي عثمان نفسه كما رأينا، اذ أن معاوية شكل دولة مستقلة داخل الدولة الاسلامية و لم تكن تتبعها الا بالاسم [1] .

فعندما عاتب الامام عليه السلام عثمان في أمر معاوية و قال له: (ضعفت و رفقت علي أقربائك، قال عثمان: هم أقرباؤك أيضا. فقال علي: لعمري ان رحمهم مني لقريبة، ولكن الفضل في غيرهم؛ قال عثمان: هل تعلم أن عمر ولي معاوية خلافته


كلها؟ فقد وليته. فقال علي: أنشدك الله هل تعلم أن معاوية كان أخوف من عمر من يرفأ غلام عمر منه؟ قال: نعم. قال علي: فان معاوية يقتطع الأمور دونك و أنت تعلمها، فيقول للناس: هذا أمر عثمان، فيبلغك و لا تغير علي معاوية) [2] .

و هكذا أصبحت الشام اقطاعية لمعاوية و آل أبي سفيان تجاور اقطاعية ابن عمهم الخليفة المستضعف، كما أسماه بعد ذلك عبدالملك بن مروان.


پاورقي

[1] (مات عمر و معاوية علي دمشق و الأردن، و عمير بن سعد علي حمص و قنسرين، و انما مصر قنسرين معاوية بن أبي‏سفيان لمن لحق به من أهل العراقين و مات يزيد بن أبي‏سفيان، فجعل عمر مکانه معاوية و نعاه لأبي‏سفيان، فقال: من جعلت علي عمله يا أميرالمؤمنين؟ قال: معاوية، قال: وصلتک رحم؛ فاجتمعت لمعاوية الأردن و دمشق، و مات عمر و معاوية علي دمشق و الأردن.

لما ولي عثمان أقر عمال عمر علي الشام؛ فلما مات عبدالرحمن بن علقمة الکناني - و کان علي فلسطين - ضم عمله الي معاوية، و مرض عمير بن سعد في امارة عثمان مرضا طال به، فاستعفاه و استأذنه فاذن له، و ضم عمله الي معاوية، فاجتمع الشام علي معاوية لسنتين من امارة عثمان) الطبري 619 / 618 2 و أصبحت ممکلته تضم دمشق و الأردن و فلسطين و حمص و قنسرين.

[2] الطبري 625 - 2.