بازگشت

هل كان الامام يطالب بحقه أم بحق الأمة


و هكذا رأينا السبب الذي دعا الامام للمطالبة (بحقه)، لأنه كان بذلك يطالب (بحق) الأمة كلها في أن تحكم وفق نظرة الاسلام و توجهاته الصحيحة وحدها و حسب.

و لم يكن حق الأمة هذا مما يمكن التفريط بأي حال من الأحوال، و خصوصا من قبل أكثرها علما و وعيا و شعورا بالمسؤولية، غير أن المطالبة بالحق الشرعي اذا ما سببت أذي لعموم المسلمين و خرقا كبيرا بينهم و فجوة لا يمكن سدها الا بالدماء و الأشلاء.

دماء الأمة كلها و أشلائها، فانها تشكل هنا خطرا لا يمكن اثارته، و لا يمكن الا السكوت معه، و قد سكت الامام عليه السلام. متي.؟ عندما كان شابا تجيش في صدره قوة الشباب و حماسه و عنفوانه. كان أحري به أن يثور و يعلنها حربا منذ البداية لو كان مثل غيره لا ينظر الا من زوايا ضيقة لا يري معها الاسلام بوضوح، و كانت هذه شجاعة حقيقة ان سكت عن حقه المغتصب في سن لا يتمكن معه غيره من السكوت و الصمود أمام أغراءات السلطة و الحكم، فلم يكن سكوته عن خوف، و لن يستطيع أحد مهما بلغت عداوته له أن يدعي ذلك بأي حال من الأحوال.

لقد كان الامام (يمثل الرسالة، و كان هو الأمين الأول من قبل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي التجربة علي استقامتها و صلابتها، و عدم تميعها علي الخط الطويل الذي سوف يعيشه الاسلام و المسلمون بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فالعمل كان بروح الرسالة، و لم يكن بروحه هو، كان عملا بروح تلك الأهداف الكبيرة، و لم يكن عملا بروح المصلحة الشخصية. لم يكن أن يبني زعامة لنفسه، و انما كان يريد أن يبني زعامة الاسلام


و قيادة الاسلام في المجتمع الاسلامي، و بالتالي في مجموع البشرية علي وجه الأرض) [1] .

و قد بين هو نفسه عليه السلام السبب في تعريف الأمة بحقه بخلاقة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم (اللهم انك تعلم أنه لم يكن منا منافسة في سلطان، و لا التماس شي ء من فضول الحطام، و لكن لنرد المعالم من دينك، و نظهر الاصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك و نقام المعطلة من حدودك. اللهم اني أول من أناب و سمع و أجاب، لم يسبقني الا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالصلاة، و قد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي علي الفروج و الدماء و المغانم و الأحكام و امامة المسلمين البخيل، فتكون في أمولهم نهمته و لا الجاهل فيضلهم بجهله و لا الجافي فيقطعهم بجفائه و لا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم و لا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق و يقف بها دون المقاطع و لا المعطل للسنة فيهلك الأمة) [2] .

ان تصريحات الامام صلي الله عليه وآله وسلم العديدة بهذا الشأن، و مواقفه جميعا، تدل علي حرصه علي الاسلام و وحدة المسلمين و حسب. غير أن الاعلام الأموي الذي ركز علي التقليل من شأن الامام عليه السلام الي حد سبه من علي منابر المسلمين قرابة ألف شهر، بنفس القدر الذي ركز فيه علي رفع شأن العائلة الأموية بنظر المسلمين و وضع الأحاديث الملفقة علي لسان الرسول الكريم صلي الله عليه وآله وسلم و تأويل النصوص القرآنية و رواية القصص المتنوعة، هذا الاعلام عمل علي ابراز مسألة الخلافة مستندا في ذلك الي الوقائع التي قامت فعلا، و كأنها صراع علي الملك بين أهل الحجاز و أهل الشام أو بين بني عبدمناف أنفسهم (آل هاشم و آل أمية) أو بين قريش نفسها، ثم بين علي و معاوية، و أراد أن يبين أن معاوية لم يكن يقل عن علي، بل ربما يتفوق عليه بنصرة الخليفة المقتول و المطالب بدمه.

و هنا لا نريد أن نستطرد في الحديث بعد أن تكلمنا عن هذا الموضوع، و قلنا ما لابد من قوله و الوقوف عند هذا الحد الذي نتطرق فيه الي اعلام الدولة الأموية الذي تبناه معاوية بنفسه و رعاه شخصيا و أخذ زمامه بيده.



پاورقي

[1] محمد باقر الصدر - أهل البيت - تنوع ادوار و وحدة هدف، - محاضرات مطبوعة بالرونيو 1388 ه.

[2] نهج‏ البلاغة 301.