بازگشت

الفئة الباغية


و يبدر أن الكتيبة التي قادها عمرو هي التي قتلت عمار بن ياسر، و ذلك مما راع عمرا لأنه كان يعلم عمار من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و قوله فيه: تقتله الفئة الباغية، مما هو شائع و معروف عند الجميع، و قد فزع عمرو من ذلك أشد الفزع الا أن معاوية طمأنه و هدأه بالتفاتة ماكرة من التفاتاته العجيبة.

فقد خرج عمار بن ياسر في صفين مواجها كتيبة عمرو قائلا: (اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم ابن عفان، و يزعمون أنه قتل مظلوما، و الله طلبتهم بدمه، ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها و استمرؤوها و علموا أن الحق اذا لزمهم حال بينهم و بين ما يتمرغون فيه من دنياهم، و لم يكن للقوم سابقة في الاسلام يستحقون بها طاعة الناس و الولاية عليهم، فخدعوا أتباعهم ان قالوا: امامنا قتل مظلوما، ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا، و تلك مكيدة بلغوا بها ما ترون، و لو لا هي ما تبعهم من الناس رجلان...) [1] و نري في قول عمار وصفا دقيقا لحالهم، فقد كان من الاطلاع علي أوضاعهم و من رهافة الحس أن راح يشخص لنا حالهم و مواقفهم الماكرة، و قد وجه خطابه الي عمرو قائلا: (يا عمرو بعت دينك بمصر، تبا لك تبا! طالما بغيت في الاسلام عوجا) [2] و قال: (لقد قاتلت صاحب هذه الراية[عمرو]ثلاثا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، و هذه الرابعة ما هي بأبر و لا أتقي) [3] .

لقد راع عمرا أنه ساهم بقتل عمار و أنه في المعسكر المعادي له و حز في نفسه قول عبدالله ابنه له: (يا أبت، قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا، و قد قال فيه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ما قال!) [4] و قد تجاهل عمرو قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في عمار و تناساه و سأل


ابنه: ما قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. قال: (لم تكن معنا و نحن نبني المسجد، و الناس ينقلون حجرا حجرا و لبنة لبنة، و عمار ينقل حجرين حجرين و لبنتين و لبنتين فغشي عليه، فأتاه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فجعل يمسح التراب عن وجهه و يقول «ويحك يابن سمية! الناس ينقلون حجرا حجرا و لبنة لبنة و أنت تنقل حجرين حجرين و لبنتين لبنتين رغبة منك في الأجر! و أنت ويحك مع ذلك تقتلك الفئة الباغية!» فدفع عمرو صدر فرسه، ثم جذب معاوية اليه، فقال: يا معاوية، أما تسمع ما يقول عبدالله! قال: و ما يقول؟ فأخبره الخبر، فقال معاوية: انك شيخ أخرق، و لا تزال تحدث بالحديث و أنت تدحض في بولك! أو نحن قتلنا عمارا! انما قتل عمارا من جاء به. فخرج الناس من فساطيطهم و أخبيتهم يقولون: انما قتل عمارا من جاء به، فلا أدري من كان أعجب؟ هو أو هم) [5] .

و نحن نعجب بدورنا من هذا المكر الذي لا يخطر حتي ببال الشيطان نفسه، غير أن عجبنا يزول اذا ما علمنا أن هؤلاء أناس توجهوا بشكل تام الي الدنيا و مفاتنها و مغرياتها، و لم يكن أمامهم سوي الدجل و الكذب و المكيدة و المكر، و لو لا ذلك ما تبعهم رجلان علي حد تعبير عمار رضوان الله عليه.


پاورقي

[1] الطبري 99 - 98 - 3 و ابن ‏الأثير 176 و ما بعدها و 186 و ما بعدها.

[2] نفس المصدر.

[3] نفس المصدر.

[4] نفس المصدر.

[5] نفس المصدر.