بازگشت

شريك في السلطة.. شريك في المكائد


فعندما أزمع الامام عليه السلام علي مباشرة الحرب بنفسه وجهز الناس، أصبح معاوية في حيرة من أمره (فدعا عمرو بن العاص فاستشاره. فقال: أما اذا بلغك أنه يسير، فسر بنفسك، و لا تغب عنه برأيك و مكيدتك. قال: أما اذا يا أباعبدالله فجهز الناس) [1] و يتبين لنا هنا كما سيتبين لنا بصورة أوضح أن عمرو بن العاص لم يكن مجرد مستشار لمعاوية، بل كان شريكا فعليا في كل أعماله، كما يتضح لنا أنه في بعض مراحل الصراع بين معاوية و الامام عليه السلام حاول عمرو الايقاع بمعاوية نفسه ليخلو له الجو كما أدرك ذلك معاوية نفسه، لذلك فان تصرفاتهما تجاه بعضهما كانت تتسم بالحذر الشديد الذي غالبا ما ينشأ بين شريكين غير أمينين.

و قد قام عمرو (بواجبه) بهمة عالية رغم عمره الذي أوشك أن يشارف علي الثمانين، و من ذلك ندرك طمعه الشديد بما قد يغدقه عليه معاوية من عطايا و هبات، فشمر عن ثيابه و أقبل علي مهمته بجد منقطع النظير (فجاء عمرو فحضض الناس، و ضعف عليا و أصحابه) [2] (و كتب[معاية]في أجناد أهل الشام، و عقد لواءه لعمرو، فعقد لوردان غلامه فيمن عقد، و لا بنيه عبدالله و محمد) [3] .

فلا عجب أن نسمع من عمرو، و هو يشارك في هذه الحملة الظالمة ضد الامام عليه السلام افتراءات و أكاذيب يرددها مدعيا أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قالها، غير أن لا عجب أن تروح مجاميع من المسلمين المضللين بنقل رواياته الكاذبة علي أنها أحاديث صحيحة لتتلقفها منهم أجيال مظللة أخري مبهورة برجال الحديث هؤلاء أمثال البخاري و مسلم.. فقد (أخرج البخاري و مسلم في صحيحيهما مسندا متصلا بعمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: «ان آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء، انما وليي الله و صالح المؤمنين) [4] .

فماذا نتوقع من شخص يشهر سيفه علي الامام عليه السلام و لو أتيحت له فرصة قتله لقتله؟ هل يؤيد ما ورد في حقه من أحاديث صحيحة موثوقة؟ أم يضع مقابلها مفتريات و أكاذيب و مزاعم و ادعاءات باطلة؟ ان هذا ما فعله عمرو بن العاص بالضبط، حتي أنه راح يتهم الامام عليه السلام اتهامات لا تليق أن تلقي حتي علي أبعد صحابة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم


فكيف بأخيه و نفسه و وصيه و من عرفه الناس كلهم، و لم بخلدهم أن يتمادوا الي الحد الذي تمادي فيه ابن النابغة. و كانت من المضحكات المبكيات، حتي أن الامام عليه السلام رد عليه مستنكرا أن يبلغ أحد في تفكيره الشيطاني الي الحد الذي ذهب اليه هذا الشيطان و قد وصفه وصفا بليغا في معرض هذا الرد الذي كان يقطر مرارة و ألما (عجبا لا بن النابعة! يزعم لأهل الشام أن في دعابة، و أني امرؤ تلعابه، أعافس و أمارس! لقد قال باطلا، و نطق اثما. أما - و شر القول الكذب - انه ليقول فيكذب، و يعد فيخلف، و يسأل فيبخل و يسأل فيلحف، و يخون العهد، و يقطع الال، فاذا كان عند الحرب فأي زاجر و آمر هو! ما لم تأخذ السيوف مآخذها، فاذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القرم سبته، أما و الله اني ليمنعني من اللعب ذكر الموت، وانه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة، انه لم يبايع معاوية حتي شرط أن يؤتيه أتيه، و يرضح له علي ترك الدين رضيخه) [5] .

و لربما يدعي مدع أن أقوال الامام عليه السلام بحقه و حق معاوية قد لا يجوز الأخذ بها هنا، لأنه خصم، و الخصم قد لا يتورع عن القول في (خصمه) أو (منافسه) أي شي ء، و ربما خرج في أقواله عن جادة الحق و الصواب، ان هذا يصح علي معاوية و عمرو بلا شك أما بالنسبة للامام فما عرف أن أحدا نسب اليه أقوالا و تصريحات باطلة حتي في حق أشد مناوئيه و أعدائه، و علي الذي يتصدي لدراسته و دراسة هذين الشخصين العجيبين أن يعرف مجمل توجهاتهم و مدي صلتهم بالاسلام.

فهل عرف أحد لمعاوية أو عمرو مزية تجعله من رجال العقيدة و أنه يمكن أن يكون صحابيا لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أم أن كل مؤهلاتهما أنصبت علي مجالات المكر و الخديعة و الدهاء؟ و هل لمس أحد في تصرفاتهما انهما كانا يذكران الله و يجعلانه نصب أعينهما؟ هذا ما لا يمكن لأحد أن يدعيه، حتي أولئك الذين عاشوا في ظلهما و نالوا من عطاياهما و أنعامهما.!.


پاورقي

[1] الطبري 71 - 3 و ابن ‏الأثير 163 - 3.

[2] الطبري 71 - 3 ابن ‏الأثير 163 - 3.

[3] الطبري 71 - 3 ابن ‏الأثير 163 - 3.

[4] شجرة طوبي - ص 84.

[5] نهج‏ البلاغة ص 115.