بازگشت

اجتهاد و رأي أم ملك و مصالح


(... ثم كان ما كان بينه (معاوية)، و بين علي بعد قتل عثمان علي سبيل الاجتهاد و الرأي، فجري بينهما قتال عظيم كما قدمنا، و كان الحق و الصواب مع علي، و معاوية معذور عند جمهور العلماء سلفا و خلفا، و قد شهدت الأحاديث الصحيحة بالاسلام للفريقين من الطرفين من أهل العراق و أهل الشام، كما ثبت في الحديث الصحيح «تمرق مارقه علي خير فرقة من المسلمين، فيقتلها أدني الطائفتين الي الحق» فكانت المارقة الخوارج، فقتلهم علي و أصحابه، ثم قتل علي، فاستقل معاوية بالأمر سنة احدي و أربعين) [1] .

(... و لما وقعت الفتنة بين علي و معاوية، و هي مقتضي العصبية كان طريقهم فيها الحق و الاجتهاد و لم يكونوا في محاربتهم لغرض دنيوي أو لايثار باطل أو لاستشعار حقد كما قد يتوهمه متوهم و ينزع اليه ملحد، و انما اختلف اجتهادهم في


الحق و سفه كل واحد نظر صاحبه باجتهاده في الحق فاقتتلوا عليه و ان كان المصيب عليا فلم يكن معاوية قائما فيها بمقصد الباطل انما قصد الحق و أخطأ و الكل كانوا في مقاصدهم علي حق، ثم اقتضت طبيعة الملك الانفراد بالمجد و الاستئثار الواحد به و لم يكن لمعاوية أن يدفع عن نفسه و قومه فهو أمر طبيعي ساقته العصبية بطبيعتها و استشعرته بنوأمية و من لم يكن علي طريقة معاوية في اقتفاء الحق من أتباعهم فاعصو صبوا عليه و استماتوا دونه و لو حملهم معاوية علي غير تلك الطريقة و خالفهم في الانفراد بالأمر لوقوع في افتراق الكلمة التي كان جمعها و تأليفها أهم عليه من أمر ليس وراء كبير مخالفه...) [2] .

كيف يكون الحق و الصواب مع علي و يعذر معاوية...؟

و اذا كانت فرقة علي خير فرقة من المسلمين، و هي التي تقتل المارقة عن الدين كيف جاز لنا أن نعذر معاوية؟ و اذا ما فرضنا أن معاوية كان مسلما صحيح الاسلام، كيف جاز له أن يخرج علي امام زمانه بأعذار و حجج واهية مرفوضة و لا أساس لها من الصحة؟ و كيف كان سيبدو أمام الأمة لو أتيحت له فرصة قتل الامام؟ و كيف كان سيبدو لو قتله الامام عليه السلام و هو خارج عليه؟

و كيف يكون الحق مع الجميع، مع أن الحق واحد؟.


پاورقي

[1] البداية و النهاية - 129 - 8.

[2] مقدمة ابن خلدون - 227.