بازگشت

كثرة انحرافات اللاحقين لا تبرر قلة انحرافات السابقين


لقد كانت السنة السيئة التي سنها الأمويون، قد أتاحت لمن جاء بعدهم التمادي في الخروج بيسر و دون تحرج عن الكثير من تعاليم الاسلام و مبادئه و قيمه دون أن يلقي ذلك معارضة قوية من الأمة المروضة المكبلة بقيودهم و أغلالهم و أبعدت عن دورها الأساسي في المراقبة و التقويم و التوجيه و ايقاف قيامها بمهمة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (لأن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هو الأداة العملية لحفظ المجتمع من الانحراف، و لاصلاح الأمر و رده الي الصورة الصحيحة اذا وقع الانحراف بالفعل. و من أجل ذلك أيضا جعل اللعنة علي الأمة الملعونة لعدم قيامها بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (لعن الذين كفروا من بني اسرائيل علي لسان داود و عيسي ابن مريم ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) [1] .

و قد أسلفنا أن المجتمع علي عهد الأمويين، بتأثير الفتنة أولا، ثم بتأثير عنف بني أمية في ضرب المعارضين، قد أخذ ينصرف تدريجيا عن مراقبة أعمال الحكام و الأخذ علي أيديهم حين يخطئون، فلا عجب أن يزداد الانحراف في العصر العباسي، و أن يزداد الناس انصرافا عن طلب الاصلاح. الانحرافات الثلاثة التي وقعت من بني أمية بقيت و ازدادت سوءا: الملك العضوض بدلا من الخلافة العادلة، البحبحة في بيت المال، العنف في ضرب المعارضين، ثم جدت انحرافات جديدة لم يكن لها وجود في عهد الأمويين، كان من أبرازها الترف الذي أخذ يغشي قصور الخلفاء، ثم الأمراء و الوزراء ثم التجار و الأغنياء ثم أفراد الشعب في المدن في النهاية) [2] .



پاورقي

[1] المائدة - 79 - 78.

[2] کيف نکتب التاريخ ص 126.