بازگشت

ايقاس معاوية بعلي لنترك قيم الجاهلية «لا الطليق كالمهاجر ...».


لقد كان أكثر ما يمض أميرالمؤمنين عليه السلام و يؤلمه، أن يقارن معاوية به، و ان تصور مسألة عصيانه و خروجه عليه، كأنها مسألة خلاف(عائلي) بين بني عبد مناف...! فعندما كتب اليه معاوية يساومه و يعرض قبوله مبايعة الامام علي أن يقره علي الشام و مصر، قائلا في نهاية رسالته (... و نحن بنو عبد مناف، و ليس لبعضنا علي بعض فضل يستذل به عزيز و يسترق به حر..) [1] و هو كلام جاهلي، لا تجد به نفسا اسلاميا البتة، كتب اليه الامام، رافضا التساوم معه و اقراره علي ولاية الشام أو غيرها، قائلا أنه لم يكن يعطيه اليوم ما منعه أمس، و قال في معرض رسالته (... و أما قولك نحن بنو عبد مناف فكذلك نحن، و ليس أمية كهاشم، و لا حرب كعبد المطلب، و لا أبوسفيان كأبي طالب، و لا الطليق كالمهاجر، و لا المبطل كالمحق، و في أيدينا فضل النبوة التي قتلنا بها العزيز و بعنا بها الحر) [2] .

(.. فيا عجبا للدهر! اذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي، و لم تكن له كسابقتي التي لا يد لي أحد بمثلها، الا أن يدعي مدع ما لا أعرفه، و لا أظن الله يعرفه و الحمد لله علي كل حال) [3] .

ان هذه النغمة، نغمة التكافؤ بين علي و معاوية و الخلاف (العائلي) بين عبد مناف، ظلت تعزف من قبل معاوية و أعوانه، و ظل بعده بنو أمية يديمون العزف و الغناء عليها، ثم تبعهم بنو العباس، فيما بعد، حينما حاولوا أن يبينوا المسألة كما بينها سابقوهم، و ان تم الأمر هذه المرة علي نطاق عائلي أضيق بين (العباسيين و العلويين) و كلهم أولاد عبدالمطلب و هاشم.


و كانوا بايحاءاتهم هذه يحاولون ابعاد المتحيزين الي الامام و آل البيت عليهم السلام و السائرين علي خطهم و منظورهم العقائدي، أو تحييدهم و ابعادهم عن (الصراع) و تضخيم معسكرهم هم الذين يستأثرون فعلا بالثروة و الجاه و القوة و السلطة.

لم يجعلوا القياس الذي تعرف به الأمة امامها، ما وصفه الله تعالي به و ما بينه رسوله الكريم صلي الله عليه و آله و سلم حوله، و انما اخترعوا مقياسا وحيدا لذلك هو (العلو) في قريش و القرابة من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و هكذا اضطر معاوية لوضع هذا القياس موضع التداول، لاختراع الأحاديث التي تثبت علاقته (الحميمة) و قرابته الوثيقة من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و القيام بحملة أخري متزامنة يقلل فيها من شأن الامام و آله، حتي بلغ به الأمر - كما أوضحنا - أنه قام بسبه علي منابر الأمويين طيلة ألف شهر، و أصبح سبه سنة نشأ عليها الأمويون طيلة حكمهم عدا الفترة القصيرة التي حكم فيها عمر بن عبدالعزيز الذي لم يكن ينتهج سياسة أسلافه بشكل تام.


پاورقي

[1] مروج الذهب ص 16.

[2] المصدر السابق ص 17.

[3] نهج‏البلاغة - تحقيق د. صبحي الصالح ص 369.