بازگشت

راي لعباس محمود العقاد لو أقر علي معاوية علي أمرة الشام


و يهمنا أن ننقل هنا رأيا لطيفا للمرحوم عباس العقاد بهذه المسألة الدقيقة و الحساسة و الواضحة بنفس الوقت، و التي لا تزال مثال جدال بين العديدين حتي وقتنا هذا (و عندنا، أن الامام لم يكن مستطيعا أن يقر معاوية في عمله لسببين: أولهما، أنه أشار علي عثمان بعزله أكثر من مرة، و كان اقراره و اقرار أمثاله من الولاة المستغلين أهم المآخذ علي حكومة عثمان. فاذا أقره، و قد ولي الخلافة، فكيف يقع هذا الأمر عند أشياعه؟ ألا يقولون أنه طالب حكم لا يعنيه اذا وصل الي بغيته ما كان يقول و ما سيقوله الناس؟ و اذا هو أعرض عن رأيه الأول، فهل في وسعه أن يعرض عن آراء الثائرين الذين بايعوه بالخلافة لتغيير الحال و الخروج من حكم عثمان الي حكم جديد؟ فكيف تراهم يهدأون و يطيعون اذا علموا أن الولايات باقية علي حالها و أن الاستغلال الذي شكوا منه و سخطوا عليه لا تبديل فيه..؟.


و ندع هذا و نزعم أن اقرار معاوية بحيله من الحيل مستطاع، فهل هو علي هذا الزعم أسلم و أدني الي الوفاق؟ كلا علي الأرجح، بل علي الرجحان الذي هو في حكم التحقيق، لأن معاوية لم يعمل في الشام عمل وال طوال حياته، و يقنع بهذا النصيب ثم لا يتطاول الي ورائه، لكنه عمل فيها عمل صاحب الدولة التي يؤسسها و يدعمها له و لأبنائه من بعده، فجمع الأقطاب من حوله، و اشتري الأنصار بكل ثمن في يديه، و أحاط نفسه بالقوة و الثروة، و استعد للبقاء الطويل و اغتنام الفرصة في حينها، فأي فرصة هو واجدها خير من مقتل عثمان و المطالبة بثأره؟ و انما كان مقتل عثمان فرصة لا يضيعها، و الا ضاع منه الملك و تعرض يوما من الأيام لضياع الولاية. و ما كان مثل معاوية بالذي يفوته الخطر من عزله بعد استقرار الأمور، و لو علي احتمال بعيد، فماذا تراه صانعا اذا هو عزل بعد عام من مبايعته لعلي، و تبرئته اياه من دم عثمان؟ انما كان مقتل عثمان فرصة لغرض لا يقبل التأخير.

و اذا كان هذا موقف علي و معاوية عند مقتل عثمان، فماذا كان علي مستفيدا من اقراره في عمله و تعريض نفسه لغضب أنصاره؟.

لقد كان معاوية أحري أن يستفيد بهذا من علي، لأنه كان يغنم به حسن الشهادة له و تزكية عمله في الولاية، و كان يغنم أن يفسد الأمر علي علي بين أنصاره، فتعلو حجته من حيث تسقط حجة علي...) [1] .


پاورقي

[1] نهج‏البلاغة - شرح الشيخ محمد عبده - مقدمة عباس العقاد / دار البلاغة / بيروت ط 1985 - 2 ص 61 - 60.